الخميس، 10 سبتمبر 2020

بقلم الشاعر محمد احمد إسماعيل

الفلاح أصلي وفصلي

جدر الروح وعمود الخيمة
ف وطني الأصلي
عنوان مصر وشَدة حيلها
ضهر الخير مفرود على نيلها
شمس العزة اللي بتشرق على أهلي
أول إيد بالجود تتمد لكل الناس
أول باب ع الخلا مفتوح
ولا له حجَّاب ولا له حراس
تسبيحُه شقاه وغيطانُه الجاه
زرعُه صِباه وعروقُه حياه
عَرقُه اللولي ومية محاياه
ودراعه الفاس
و ف وقت العوزة بيبقى سلاح
أول في الصف ف كل كفاح
ولا كَلّ صفاه
ولا مَلّ عطاه
وتكالُه تملي على مولاه
بساتين القمح ف أرض الله
والقطن الضاحك ضيا ونّاس
والنخل العالي وضله وسيع
والصحرا يخطي عليها بتبقى الربيع
...............
سلطان نفسه وملك الأيام
وعنيه فدادين غلة وأحلام
ع النيل حكاياته مبدورة
أصل وحواليه مليون صورة
طول عمره مصاحب لشادوفه
ولا ضل طريقه ف يوم شوفه
يسقي الأيام من ندا جوفه
وينام تحت السما والسما ساتراه
في الحرب محارب له سطوة
في البُنا بنَّا وصاحب خطوة
والفلاح روحه طرية زي الخص
وزي التوت
لو روحه أسيرة بتموت
حُر ويفرح لما بيبني لنا
من ضِلعُه المَحنِي بيوت
ـــــــــــــــــــــــــــــ

عيد الفلاح المصري وتاج راسنا 9 سبتمبر
اللوحة جدارية للفنان المصري محمود مختار

الاثنين، 7 سبتمبر 2020

بقلم الناقدين دكتور رمضان الحضري والناقد حاتم عبدالهادي السيد

تجربة نقدية غير مسبوقة

تأخرت كثيرا لأن لكل ناقد وجهة نظره الخاصة 

وهكذا تنتهي الحملة النقدية التي تبدأ أول كل شهر .

**********************************

النموذج في الكتابة
( عبده الزراع )

********
فرق كبير بين أن يكتب الشاعر ما يمكنه وبين ما يجب عليه ، فحينما تسأل شاعرا لماذا كتبت نصك بهذه الطريقة ،فهناك أشكال ومحتويات أنجع يخبرك بأن هذا ما تعلّمه ، فقدم ما يمكنه ، فجعل نفسه معلما وهو لم يتعلم ، ونصب من ذاته شاعرا وهو لم يعرف ماهية الشعر
ولا وظيفة الشاعر ، حيث إنني أتذكر الآن ذلك الرجل الذي وقف تحت عمود للإنارة في السحر الأعلى من الليل يبحث عن مفتاح بيته فلما مرَّ عليه صديقه سأله : عمّ تبحث ؟ ، قال : أبحث عن مفتاح بيتي ، فقال صديقه : هل سقط من هنا ؟ ، فقال الرجل : لا بل سقط في الشارع الخلفي ، فسأله صديقه : إذن لمَ تبحث هنا ؟ قال الرجل : لأن المكان هنا مضاء بينما الشارع الذي سقط فيه المفتاح مظلم .
فالرجل يبحث حيث يمكنه أن يبحث والصواب أن يبحث حيث يجب عليه أن يبحث ، هذه تقدمة لكي أكتب عن شاعر مصر الكبير
وأديبها النبيل / عبده الزراع .
وقد وصلني ديوانه ( حمحم براحتك ) عبر صديقي الدكتور / رمضان الحضري ، فقرأت الديوان ، ومن القراءة كانت مقدمتي .
******
عبده الزراع أحد أساطين شعر العامية المصرية، وهو واحد من جيل ترعرنا فيه معاً، جيل يكافح بالشعر مدافعاً في وجه الزمان، حيث يصفو الشعر ، ويشفّ، وتكون الكتابة نزف في الوريد والشريان، وإذا كانت العامية المصرية هي أدب الشعب،فإننا نرى ذلك متجسداً عبر ديوانه الرائع : " حمحم براحتك" ، فهو ينشد الحرية عبر قلمه المضىء، وعبر شعره الذى يغزله من صوف روحه الشاهقة، وفى قصيدته : " طير المحبة طروب " نراه ينشد الأمل بعد مرار الألم، وينشد الحب والأحلام ليعبر إلى جسر الحب المضىء بقلبه العامر، فهو يغنى للذات، لنا وللوطن المجروح الجريح ،فهو يكتب ليهرب من الواقع المرّ الدامى ، من الموت بدون الكتابة، فالكتابة هي الحياة ، آخر نبض في شدو القلب الحزين 

،يقول :
ها كتب قصيدة جديدة
من دمى
ها كتب قصيدة جديدة
للأحلام..
ها كتب كلام على كل طير ويمام
عماّل يرفرف ف السما
وبروحه يرمى السلام
ع الأهل والخلان
......
شجر الكلام موزون
محلا الغنا ف الدندنة
من كل شكل ولون
ورّد المحبة حنون
ها كتب مدام عايش
والقلب نبضه شجون
......
ها كتب عشان أحىّ
عشان يحمى..
نبض الوطن ف الروح
كابسه الخلايق كابسة
على جرحنا المجروح
وإحنا ولاد الوطن...
ضايعين فى كل الدروب
طير المحبة طروب
ها كتب كمان..
ها كتب..
ها كتب عشان.. أبعد
أهرب بعيد جدا
م الاكتئاب..
م الموت..
إنه الشاعر الذى يكوثر المخيال لدينا، ويعبر بالحلم الدافىء إلى ذواتنا التواقة للحب والحياة ،فنراه ينشد الحرية للوطن السليب عبر قضيتنا المصرية العربية المصيرية، قضية فلسطين فنراه يستدعى شاعر القضية الكبير / محمود درويش ليحكى لنا أشجانه، يستنطقه بعد أن غيبه الموت ليقول ويعلن في إصرار : " إذا كان محمود درويش قد مات فإن هناك ألف درويش غيره، يقفون وراء القضية، وراء مقدرات شعب سليب، يمثل دم عروبتنا المراق، وهو الحلم الذى نتغياه جميعاً كعرب ومسلمين، بل وكل أحرار العالم لمحو هذا العار الذى يلطخ جبيننا، عار الإستعمار الصهيو- أمريكى الغاشم، يقول في قصيدته : " كان نفسه يكون عصفور " :
كان أخضر زى أوراق الزيتون
فى مواسم قطفه..
كان عطفه يفيض ويساع الكون
كان عقد الفل.. وطوق ياسمين
حوالين الوطن الأم فلسطين
ما قدرش ف يوم غير إنه يكون الشاعر
طالع زى الندى م (البروه)
خطاويه وخداه لمصيره
واختار الصعب يكون له طريق
كان قلبه ربيع بيضيع من بين كفيه
ما قدرش فى يوم يفصل بين حلمه
وحلم الوطن المهزوم..
ولا خاف من إنه يكون مطرود
من رحمه جنات صهيون
كان نفسه يكون عصفور .
ولنلحظ هنا جماليات الوصف عبر الصور الشاهقة، وعبر فرادة المعنى والمبنى لمعمار اللغة الشاهق الذى يستدعيه من قاموس الحب بروحه الشاهقة الجميلة، المحبة، والنازعة نحو الحرية والعدل ، وإذا كان السلاح يقاوم فإن الكلمة أقوى من البارود ، فهى الرصاصة التي يستخدمها شاعر ليمحق ويعرى الإستعمار الغاشم الكئيب .
وتبدو قضية الحرية دالإً مشتركاً بين قصائد الديوان الأشهى الذى تكتنفه مرارة آسنة، ووجع يحاول فيه الشاعر التحليق حول أرواحنا لينزع غلالة الحزن، ويعبر بالحلم / بالقارىء إلى آفاق أكثر جمالاً ، وتخييلاً فيتشارك القارىء معهفى الحلم والأحزان، ويندغم في جماليات صورة التي تحيلنا إلى واقعنا بكل ما فيه، فهو يعكس – كما أسلفنا – نبض الشعب، يقول :
عصافير طليقة بتعشق الأوطان
بتسيب ملامح وشوشها ع الشجر..
وبتستخبى م الخجل جوا الميدان
لجلن تعيد اللى اتسرق..
من حلمها..
يطلع هتافها شجن
وأنين بيسكن فى الضلوع
بترتب الأوضاع على كفوف البراح
وبتنطلق زى الصاروخ شايلة الجراح
ساعات بترجع للوطن
وساعات بتعجز ع الرجوع.
وتراوحقصائد الديوان بين موضوعة الوطن كمفردة تتقاطع في أغلب قصائد الديوان، وبين المحبوبة / الحلم، الأمل السعيد الذى يتغياه، ويحاول أن يرسمه لنا عبر صور متراتبة، تمنطق العقل، وتفلسف الوجود والحياة والكون والعالم، فهو المحب العاشق للحياة، فنراه كعازف أرغول وحوله العالم يعزف له اغرودته الجميلة ، يقول :
هو انت فاكرانى استويت
ولا انتهيت..
ولا الهوى شخلل جرس قلبى
أنا فعلا الأحلام خديتنى لمنتهاكى
ورسمت ورده ف عروتك
وقعدت جنب رموشك الهفهافه
أنتظر اللقا..


ولعلنا نلمح طزاجة اللغة عبر بصمته الشاعرة التي تستلب المخبأ في وجيب الروح، وتقطف الجمال من خد الورد ، وتأخذ بقلوبنا إلى آفاق أكثر جمالية وطرب ، فننشد معه أغنيات الفرح الشهى للشعرية الباذخة التي تخشّ إلى القلب عبر موسيقا النور العابرة إلى مرافىء الروح ، ومزهريات الورود، وضوع العطر من ياسمينة الحياة المزغردة، يقول :
معقوله زي الشجر بترقي وتميلي
 ريحك بنفسج عطّر المواويل
 والناي بيعزف لحنك الطازه
 وانت رموشك ليل..
 ولقلبي أجمل دليل 
 مين إللى علم خطوتك لغة التمرد؟
 والانحياز للتفرد 
 مين إللى فجر دهشتك قناديل؟ 
 يا رقة العصافير.. 
 وزقزقات الطير
 خليني أدخل مهجتك..
 واستهجي طلعتك
زي القمر ف الليل
 معقوله زي الشجر.. بترقي وتميلي
إنه الشاعر الذى يعزف قطيفة الجمال من روحه النضرة الخصبة التي
تنشر العذوبة والرقة حينما يشاء الشاعر ذلك ، مما يجعلني أقول أن عبده الزراع لا يمتلك أدواته فقط ، فليس كافيا أن تمتلك الأدوات ولكن الأهم من ذلك هو كيفية استخدامها ، فهو يمتلك السيطرة على عقل المتلقي ، وقلة من يفعلون ذلك ، ولذا فحينما يحصل على جائزة الدولة التشجعية نقول إن الجائزة هي التي فازت به ، ليكون سطرا من ذهب
عبر تاريخها .
بقلم الناقدين :
حاتم عبدالهادي السيد
د / رمضان الحضري .
القاهرة في
6 من سبتمبر 2020م

الأحد، 6 سبتمبر 2020

منقول عن استاذ اللغة الارامية جورج رزق .....تراث

حكاية 
______🕊_____
"يالله تنام يالله تنام 
لدبحلا طير الحمام "..

أغنية يرددها الملايين، دون أن يعلموا أن خلف تلك الأغنية مآساة إنسانية حدثت في مدينة معلولا.. 

أغنية غنتها السيدة فيروز من روح معلولا وتراثها الممزوج بالألم والإبداع  والثبات...

وقعت أحداث تلك القصة المؤلمة في معلولا، مع فتاة في العاشرة من عمرها خطفت من بيت أهلها، بينما كانوا ينطرون أرزاقهم من المشمش والخوخ
بين الوديان البعيدة 

حيث جاءت مجموعة من الغجر جابوا ساحات المدينة وبيوتها، فوجدوا فتاة وحيدة في منزلها وكانت أخت الشماس عيسى في ذلك الوقت، خطفوا الفتاة ابنة السنوات العشر..

بحث الأهل بحرقة وألم عن ابنتهم في كل مكان، ولم يفلحوا بمعرفة مصيرها، 

...مر زمن و سنين طويلة وبينما كان رجل من معلولا  يبيع العنب والتين في ديار تلك القبيلة، التي خطفت الفتاة تعرفت عليه الفتاه لكنه لم يعرفها... 

وفي تلك اللحظة المصيرية بالنسبة لها ارتجلت ابياتاً هي مزيج من الآرامية المعلولية والعربية للفت انتباه الرجل، وطلب النجدة منه، ليتعرف إليها، دون أن تلفت نظر القبيلة، 
حيث شرعت تغني لحظة مرور البائع تحت شباكها وهي تحدي لطفلها "وليس طفلتها كما ورد في أغنية السيدة فيروز " 

هيو هيو يالبني يالمزبن عنبي ...
مليه لبي ملي لمي 
نغبوني العربي 
بايثح كم الكليسا 
حوني شموسا عيسى 
بقرتنا حمرا نفيسة 
وكلبنا اسلك سلوك 
يالله ينام يالله ينام 
لادبحلو طير الحمام 

المعنى بالعربية ..
هييي .. هييي يابياع العنب 
خبر ابي وخبر امي 
خطفني العرب "البدو "
بيتنا بجانب الكنيسة 
وأخي الشماس عيسى 
وبقرتنا حمراء سمينة 
وكلبنا نحيف سلوقي ..

فهم البائع المعلولي مغزى الكلام، وتعرف على البنت..
حيث قام بنقل رسالتها إلى أهلها، متلهفاً لاخبارهم بمكانها وأنها حية ترزق، ولما اتجه الأهل إلى تلك الديار لاسترجاع ابنتهم، لم يجدوا أحدا، إذ كان أصحاب الدار قد رحلوا إلى مكان آخر.

بقيت الحسرة في قلوب الأهل وخلدت ذكراها تلك الكلمات البسيطة العميقة المليئة باللهفة والأشواق.. 

وصلت إلى الأخوين رحباني حيث أعادا صياغتها وغنتها السيدة فيروز بصوتها الساحر..

يا بياع العنب والعنبية 
قولوا لأمي وقولوا لبيي 
خطفوني الغجر من تحت خيمة مجدلية 
ع التيشتشي التيشنشي 
والخوخ تحت المشمشمي 
كل ماهب الهوى لأقطف لريما مشمشي ..
هي هي هي لينا 
دستك لكنك عيرينا 
تنغسل تياب ريما 
وننشرهن عل ياسمينا
إلى أخر الأغنية...

رحلت الفتاة وبقيت أغنيتها خالدة عبر الزمن. ترددها ملايين الأمهات كتهويدة مقدسة قبل النوم.

نقل تلك الحادثة إلى مشروع التوثيق البصري الاستاذ المبدع جورج رزق الله عام 2014 .. رحمه الله
وهو أستاذ اللغة الآرامية من مدينة معلولا.

منقول

السبت، 5 سبتمبر 2020

محمد سالمان

من دفتر الذكريات
 " مفيش فايدة "

فى عام نهاية عام 2002 تلقيت دعوة من اللجنة الشعبية للثقافة والاعلام ( وزارة الثقافة ) الليبية  ، للمشاركة فى مؤتمر شعبى والمنعقد بالتعاون مع اللجنة الشعبية العامة ( مجلس النواب ) ، يعقد المؤتمر فى تمام الساعة الرابعة عصرا بالمدينة الرياضية امام استاد 11 يونيو الرياضى  ( يقول عنه الليبيون ان المنتخب الليبى لم يهزم عليه قط )  ، فى تلك الآونة كانت هناك أزمة سياسية ،وإنسانية كبرى ، يتلهف العالم لسماع أخبارها ،وهى احتجاز الرئيس الفلسطينى ياسر عرفات وتحديد اقامته ومنع دخول الأدوية الخاصة إليه،  الأمر الذى خرجت فيه الشعوب العربية والاجنبية تندد بهذا الفعل اللانسانى ازاء رجل مسن كبير ينهش المرض جسده ، ويفت الألم عظامه ، فضلا عن كونه رئيسا لدولة !!
كنت فى هذه الفترة انا وصديقى المرحوم نجيب الهوش نعد اغنية بهذا الخصوص وللاسف لم يكتب لها الاكتمال،  فقد توقفنا عن استكمال البروفات .
ذهبت إلى المؤتمر فى الموعد المحدد،  فالمسافة بين مسكنى بجنزور ،وبين المدينة الرياضية لا تزيد عن سبعة كيلومترات ، اى خمس دقائق بالسيارة ، اصطحبنى أحد المنظمين من البوابة الرئيسية للمدينة إلى المسرح الكبير  على  يسار البوابة ، وأجلسنى فى مقعد مخصص فى نهاية الصف الأول للمسرح ،  شربت( طاسة ) من ( الشاهى) الأحمر ، وبعد ثلث ساعة تقريبا بدأت وقائع المؤتمر، لا أعرف من الموجودين غير واحد فقط ،وكان مشغولا بالاستقبال و التنظيم ،  الأمر الذى جعل نظرات الحاضرين إلى نظرات ارتياب،  من الذى جاء بهذا المصرى إلى هنا ؟ ومن أجلسه فى الصف الأول؟ ومن يكون ؟ والتزامى بالصمت وعدم التحدث مع المجاورين لى بالكرسي جعل من الشك والارتياب اكثر،  و أحاطنى بغلالة من الغموض .
وبدأت الكلمات من هذا وذلك ، كلها تصب فى اتجاه واحد ، حول ضرورة إيجاد حل لما يعانى منه الرئيس عرفات ، ودارت الرؤى المختلفة حول هذا الحل ، فمنهم من طالب بضرورة إرسال طائرة إلى عسكرية إلى اسرائيل وارغام دول الطوق لمواجهة الموقف، فقوبل هذا بالرفض،  لأن مصر قد لا تسمح ،ومن ثم تسقط الطائرة ويصبح الخلاف مصرى / ليبى .... إلى أخر تلك الرؤى المختلفة ، جاء دورى،  وصعدت على المسرح ،وألقيت قصيدتى ،و التى قوبلت بتصفيق حاد، ومعانقة من بعض الحاضرين.
بعد دقائق دخل لساحة المسرح مجموعة من الرجال الغاضبة،   شق صوتهم الغاضب لحظات الصمت بالمسرح ،و رأيت فيهم الشاعر الصديق السورى  " حسنى " ، والذى يكنى بأبى اسد ، وكان سمينا إلى حد ما ،و صاحب صوت جهورى  ، ابتهجت لما رايته ، أخيرا رأيت احدا أعرفه، سأتحدث إليه فى جلسة الاستراحة بدلا من الوحدة،  أشرت إليه،  فجاء معانقا،  وسألته لماذا هذا الغضب،  فقال : نحن اعتصمنا منذ أيام أمام مقر الأمم المتحدة فى طرابلس،  وأقمنا خيمة للمبيت بها ، تركنا أولادنا نساءنا ،ونمنا بالشارع،  والآن صاحب الخيمة يريد أجرة الخيمة ، ولكن الاخوة فى اللجنة الشعبية( المنظمة لهذا الاعتصام ) لا تريد دفع أجرة الخيمة،  هم يجلسون فى بيوتهم،  يشربون الشاهى والماء البارد ، ونحن بالشارع ولا يريدون دفع ثمن تلك الخيمة،  الأمر الذى جاء بنا إلى هنا ونحن غاضبون لإيجاد حل أو فض هذا الاعتصام ، ونذهب لبيوتنا !!
نظرت إلى أبى اسد وقلت : اخى ! والله انها ليست خيمة، انما هى خيبة ، ندفع الملايين من أجل قناع الوجه،  بينما القلب يعانى من كل الاوجاع و الامراض ، نزين واجهات البيوت ولكنها بالداخل خربة  ، فعلا  " مفيش فايدة  " ، نؤذّن فى مالطة  !!!

محمد سالمان

1/ 3 من دفتر الذكريات 

فى أوائل عام 1992 ، كنت قد اخترت  ( فلسطين فى الشعر المصرى المعاصر ) موضوعا لدراستى للماجستير ، تحت إشراف الاستاذ الدكتور يوسف خليف  ،و د /عبدالله التطاوى ، وكلما تحدثت مع أحد الأصدقاء أو الاساتذة عن الموضوع يحيلنى إلى كتب د/ كامل السوافيرى ( 1914 - 1992) ، هو أستاذ للأدب العربى الحديث  ، فلسطينى الجنسية ، تخصص فى تلك الكتابات والدراسات ، عرفت أن د/ كامل يقيم بالقاهرة ، حصلت على هاتفه ، واتصلت به ، عرفته بنفسي وبدراستى،  رحب الرجل ودعانى للقائه فى العاشرة من صباح يوم الجمعة بكافيتريا غرناطة بمنطقة روكسي بمصر الجديدة،  التقيت بالرجل وسط مجموعة من كبار الأدباء والنقاد والشعراء ، عرفنى يومئذ بالدكتور محمد عبدالمطلب ، ود/ عبدالقادر القط ، والشاعر حسن فتح الباب ، عبدالمنعم عواد يوسف ، شوقى هيكل ، عبد البديع عراق  رشاد يوسف ،وغيرهم ممن ارتبطت بهم بصداقات عميقة وتوطدت علاقتى بهم جميعا .
غرناطة حديقة واسعة بميدان روكسي ،تشرف مباشرة على طريق المترو ، خط رمسيس - النزهة ، بها كافيتريا،  تضع الكراسي المصنوعة من الخوص تحت ظلال الاشجار ، بها جدول صغير للمياة ، تدخلها صباح الجمعة ، تعتقد أنك فى ندوة أدبية كبرى ، المكان ممتلء بشعراء ،ونقاد ،وكتاب،  تسمع قصيدة والتعليق عليها،  تسمع حوارات ،وآراء حول كتاب جديد أو مقال منشور ، أحاديث فى السياسة والأدب والاقتصاد .
ورغم أننى اصغرهم سنا وأقلهم خبرة وعلما،  فانك تجد تشجيعا لصوتك أو تصويبا لرأيك بهدوء وإقناع. 
د/ كامل السوافيرى  ، ابيض الوجه ، تعلوه صلعة،  ممتلىء الجسم ، حاضر الذهن ،يرتدى دائما بدلة كاملة تزينها رابطة العنق ( الكرافتة) ، تشعر بأبوة حانية معه ، لا يبخل بمعلومة،  أهدانى معظم كتبه ، كلما رآنى قادما من بعيد أشار إلى وأفسح لى المجلس ، ألتقط أنفاسي من وعثاء السفر ،وأسمع بعضا مما تيسر سماعه من آراء ونقاشات ، ثم نقوم معا ، ناخذ جانبا نتبادل الحديث حول الدراسة .
ذكر لى د كامل ذات يوم أن من أفضل الشعراء المصريين الذين تناولوا القضية الفلسطينية شاعر غير معروف ،  للعامة ،وربما للمتخصصين أيضا رغم إنه صاحب أول نشيد قومى لمصر ، محمود محمد صادق !!
كنت أول مرة أسمع بهذا الرجل ، ظننته حيا ، لكنه قال إنه متوف منذ سنين ، وأردف قائلا : إن لهذا الرجل قصيدة ملحمية طويلة بعنوان ( رسالة الشعر القومى إلى العالم العربى والشرق  ، مرثية المراثى فى مأساة المآسي ) عدد أبياتها 377 بيتا من بحر الخفيف ، وقافيتها نون مكسورة ، طبعتها دار المعارف المصرية بالتعاون مع الجامعة العربية  عام1949 ،ولكن بكل أسف ان تلك القصيدة غير موجودة بدار الكتب المصرية ، ولا بمكتبة الجامعة ولا حتى بمكتبة الجامعة العربية ! 
ظننت أن الرجل يبالغ فى ندرتها ، فى اليوم التالى ، ذهبت لدار الكتب ،وبالفعل لم أجدها ، ركبت إلى مقر الجامعة العربية بميدان التحرير ، وبصعوبة بالغة دخلت إلى المكتبة ، ولم أفلح فى الحصول عليها ، فليست القصيدة ضمن مقتنيات المكتبة !!
فى الجمعة التالية ، صارحته بالأمر ، معتذرا عن سوء نيتى،  واتهامه بالمبالغة،  ضحك د/ كامل ،وقال : هى عندى بالبيت وعليها الختم الازرق لحكومة عموم فلسطين ، واصطحبنى الرجل من كافيتريا غرناطة إلى بيته بشارع بطرس غالى والذى يبعد نحو مائة وخمسين مترا من الكافتيريا ،  صعدنا معا على درج السلم حيث يسكن فى الطابق الثانى .
أعطانى القصيدة كى أصورها صورة ضوئية ، طالبا نسخة مصورة أخرى له .
ولتبدأ حكاية جديدة مع شاعر ظلمته الدولة، وظلمه الناس، وظلمه أهله،  واهمله النقاد ، ولذلك حديث آخر .


محمد سالمان

3/2من دفتر الذكريات 

عندما أخبرنى د/ كامل السوافيرى عن محمود محمد صادق وقرأت قصيدته،  ولم أجد تلك القصيدة فى اى مكتبة ، تركت دراستى جانبا ، وبدأت أبحث عن هذا الرجل وشعره ، فجمعت له ثلاث مطولات ، ابياتها تزيد عن ال 700 بيت  ،يربطها خيط واحد وفكرة واحدة ، قدمت لها بدراسة وافية ، وكتبت عن حياة الشاعر ، مستجمعا ما تيسر جمعه من أخبار ونتف ،ولكن لم أقف على تاريخ وفاته ، الامر الذى يجعلنى أتوقف عن نشر كتاب عن شخص حديث ولم اذكر تاريخ الوفاة .
الشاعر له ديوان قرظه سعد باشا زغلول، وأطلق عليه ( شاعر الثورة ) فرأيت أن أسأل الكاتب الكبير مصطفى أمين وهو الذى قد تربى فى بيت الأمة ، وقد أمهلته أياما ، حتى يفكر أو يتذكر  ،ولكن جاء الرد بالاعتذار ، فلم تفلح المحاولة ، التقيت بالاستاذ محمود أمين العالم ذات يوم  فسألته،  فكان جوابه : يااااه كان رائعا ، هل مازال حيا !!
سألت د حسن فتح الباب فأجاب: كنت أقرأ له وأنا طالب ، ولم أدر عنه  شيئا .
والتقيت بالشاعر والمؤرخ الأدبى أحمد حافظ مصطفى،  فسألته ، فقال : أذكر أن أنيس منصور يعرفه فقد كتب عنه أكثر من مرة .
بدأت تنكشف الغمة ويلوح نور من بعيد ، وفى الصباح،  كنت أطرق باب أنيس منصور ، الذى فاجأنى بقوله : يااااه ذكرتنى بالمظلومين ، لم أكد أنتهى من فنجان القهوة حتى صاح فى وجهى،  توفى عام 1970 ، قلت : سأذكر ذلك التاريخ فى كتاب ، فقال ، أعطنى يوما لأؤكد لك هذا التاريخ ، مر يومان ، وذهبت إليه ثانية ، ففتح درج مكتبه وأعطانى مقالا له فى جريدة الاخبار  نشره بعد موت شاعرنا بأيام قليلة .
استمرت فترة البحث والسؤال عن وفاة الرجل عدة أشهر،  حتى وصلت لهذا التاريخ .
لملمت أوراقى وتقدمت بهذا الكتيب للمجلس الأعلى للثقافة 
عام 1994 وكان وقتئذ بمنطقة الزمالك ، وتحديدا بجوار اتحاد الكتاب بشارع حسن صبرى ، كنت آمل أن يصدر ضمن منشورات الكتاب الأول،  تم عرض الكتاب على لجنة مختصة ، ووافقت اللجنة على نشره ، انتظرت أصوات المطابع وهى تلقف أوراق الكتاب ،دون جدوى ، الكتاب مجاز باللجان المتخصصة،  وله إخراج فنى من الفنان محمود القاضى ، ولكن يقبع الكتاب فى الأدراج الخشبية المتربة. 
و ذات مساء وصلنى خطاب  من المجلس الأعلى،  حمدت الله ، ربما يخبرونتى بصدوره،  وفتحت الخطاب وجدت صكا بمبلغ مالى ، قيمة مكافأة الكتاب وذلك عام 1995، فرحت بهذا المبلغ الذى جاء بوقته ، فقد كانت المدام على وشك الولادة،  وبالفعل تم صرف المبلغ على هذا الحدث السعيد .
وما بين كل فترة وأخرى،  أذهب للمجلس للسؤال على صدور الكتاب، دون جدوى ، سنوات وسنوات ، حتى كانت الصدمة ، الشاعر لم يمر على وفاته خمسون عاما ، ومن ثم نحتاج لموافقة الورثة حتى يمكننا طباعته !! 
ورثة الشاعر ! ربما كان البحث عن سمكة صغيرة فى المحيط الهادى أيسر واسهل من البحث عن ورثة الرجل ! 
مرت شهور كئيبة،  فقدت الامل فى نشر الكتاب ، حتى علمت بالمصادفة أن هناك رسالة جامعية بكلية اللغة العربية جامعة الأزهر  عن هذا الشاعر ، ربما كان الباحث على صلة بأقارب الرجل أو يعرف طريقهم ، وحججت إلى كلية اللغة العربية بالدراسة، واطلعت على الدراسة ، وعرفت أن الباحث د /غانم السعيد (وهو العميد الحالى لكلية اللغة العربية ) ، حصلت على رقم هاتفه،  وتحدثت معه شارحا له التفاصيل ،ولكن د/ غانم أخبرنى أن أهله لن يفيدوك بشىء ولن يساعدوك،  والغريب أن ابن أخيه يعمل أستاذا فى مجال الأدب والفنون !
أعطانى د غانم عنوان رجل بالموسكى هو الذى يدلنى علي أقارب الشاعر ، ذهبت إليه،  وأخدت منه هاتف د نبيل ابن اخى الشاعر، وهو اقرب الناس إليه، واحد ورثته. 
وفى الليل اتصلت بالدكتور نبيل  ، وكانت الصدمة الكبرى ، بسؤاله،  لماذا تبحث عن هذا الرجل ، ووووو عشرات الأسئلة، وكأننى بتحقيق،  اعتذرت له ، وشكرته على حسن تعاونه 
وعدت إلى المجلس الأعلى للثقافة،  لأجد أن الكتاب قد اختفى للأبد ...نعم .. ضاعت أصول الكتاب وقد باءت كل محاولات البحث بالفشل . !!!!!!!
اما الشاعر فله حديث آخر ...

محمد سالمان

3/ 3  من دفتر الذكريات 

محمود محمد صادق ..ولد مايو عام 1901 ، صاحب أول نشيد قومى لمصر ، وتم تلحينه ونشره عام 36 ، شارك بأغانيه وأناشيده فى ثورة 19 ، ولقبه سعد زغلول بشاعر الثورة ، ونشر ديوانه فى عام 23  ، وقرظه سعد باشا  ، وهو التقريظ الوحيد الذى كتبه سعد لشاعر .
تخرج الرجل فى كلية الحقوق عام 24 ، وعين وكيلا لنيابة الموسكى وتركها إلى وزارة المعارف ، ثم مراقبا عاما لدار الكتب المصرية 
نال عددا من الجوائز أهمها: جائزة النشيد القومى عام 36 
جائزة عن التأليف المسرحى عام 37 
جائزة جامعة الدول العربية لملاحم حرب فلسطين عام 49
جائزة المجمع اللغوى عام 51 . 
من طريف ما يحكى عنه ، إنه عمل بالشئون القانونية لكلية الآداب،  وانتسب للكلية نفسها لدراسة اللغة العربية ، لكنه فوجئ بفصله بحجة عدم الانتظام فى الدراسة  ، وبعدها بأيام قليلة زار الملك الجامعة،  فوقف الملك ورئيس الجامعة وعميد الكلية يرددون نشيده القومى .
وعندما عمل بدار الكتب ، تم فصله أيضا. 
ومن العجائب أيضا عندما مات الفريق عبد المنعم رياض خرجت جماهير مصر تشيع جنازته وهم يرددون كلمات شاعرنا ، ولكنه عندما توفى هو لم يدفنه غير عشرين شخصا ، هم أهله وأقاربه . 
لقد مات الرجل فى شقة متواضعة فى شارع البستان بالقاهرة ، وعليه الكثير من الأموال، لخادمته التى كانت تقوم عليه ، ولصاحب الصيدلية التى يأخذ منها الدواء ، وكذلك اجرة سكنه الذى يقيم فيه !
مات محمود صادق وضاع الكثير من أشعاره .
مات الرجل الذى لقبه أمير الشعراء أحمد بك شوقى بنابغة الشعراء ، وقال له : إن الله قد جمع لك الاسلوب والروح الموهوب،  والخيال اللعوب ، وهذه الثلاثة هى الشعر كله .
توفى شاعرنا فى مايو عام 1970 
وكأن مايو ايقونة السحر لهذا الرجل ، ففيه ميلاده ،وفيه وفاته
وبكل اسف عانده الزمن فى حياته،  وعانده بعد مماته ، حتى عندما كتبت عنه كتابا ، أصابنى ذلك العناد ، فقد ضاع ما كتبته بمعرفة المجلس الأعلى للثقافة !!

اما القصيدة التى نشرتها دار المعارف وجامعة الدول العربية ، وهى نادرة للغاية وربما غير موجودة فى اى مكان يسعدنى أن أنشر جزءا منها ، على أمل أن أنشرها كاملة ، (عدد أبياتها 377 بيتا) ،و ما تيسر من قصائد أخرى للرجل ، إن كان فى العمر بقية .ا