« كَانَ لِي قَدَرٌ فِي الضَّادِ يَرفَعُنِي... ! »
(قصيدة في ما آلت إليه اللغة العربية)
****************
لا تَغْضَبِي إِنْ أَتَاكِ الشِّعرُ مَخْبُولاَ
ـــــ قَد بِتُّ لَيْلِي بِحُضْنِ الضَّادِ مَعلُولاَ
أَبْكِي الْقُرُونَ اللَّوَاتِي كُنْتُهَا زَمَنًا
ـــــ مُحَصَّنًا كَرَعِيلِ الْأَعصُرِ الْأُولَى
يَهُزُّنِي الشَّوْقُ هَزَّ المُتْعَبِينَ وَلِي
ـــــ فِي الحُبِّ بَيْتٌ بَنَاهُ اللهُ مَشمُولاَ
بِالضَّادِ أَزْهُو وَلَفْظُ الضَّادِ نارُ فَمِي
ـــــ بِالْأَرضِ تَعصِفُ لا تَخْشَى الْأَسَاطِيلاَ
أَقُولُ شِعرًا، عَزَائِي الشِّعرُ يَا لُغَتِي
ـــــ مُذْ كُنْتِ حَرثِي وَكَانَ الشِّعرُ مَحصُولاَ!
كَقَيْسِ لَيْلَى تَمَنَّيْتُ الْهَوَى وَكَفَى،
ـــــ أَلْقَاكِ ثُمَّ أَعِيشُ الدَّهْرَ مَذْهُولاَ
لَوْ كُنْتُ قَيْس، وَلَيْلَى كُنْتِ لِي نَغَمًا
ـــــ لَكُنْتُ قُلْتُ كَلاَمًا فِيكِ مَعقُولاَ
مَا قَيْسُ فِي التِّيهِ لَمَّا يَنْتَهِي عَدَمًا
ـــــ فِي حُبِّ لَيْلَى يَقُولُ الشِّعرَ مَنْحُولاَ
لَنْ أَلْقَ فِي الحُبِّ حَظًّا أَنْتِ مَعْدِنُهُ
ـــــ مَا لَمْ يَكُنْ فِيكِ فَصلُ الْقَوْلِ مَنْخُولاَ
تَغْشَى الْقَصَائِدُ صَدرِي، نُحتُ مِنْ وَلَهٍ
ـــــ لَمَّا عَشِقْتُكِ شَبَّ الصَّدرُ مَسْلُولاَ
عُودِي لَنَا لُغَةَ الضَّادِ الْقَتِيلَةِ كَيْ
ـــــ لا يَنْتَهِي زَمَنُ الْأَعرَابِ مَشْلُولاَ!
تَفْنَى اللُّغَاتُ وَتَبْقَى بَعضُ أَحرُفِهَا
ـــــ وَأَنْتِ تَرقَيْنَ فِي الْعَلْيَاءِ قِنْدِيلاَ
عِقْدًا عَلَى الْجِيدِ لا عِقْدٌ يُضَارِعُهُ
ـــــ وَهَالَةَ الْعِزِّ فَوقَ الرَّأْسِ إِكْلِيلاَ
يَا أَنْتِ يَا لُغَةَ الضَّادِ الْجَمِيلِ وَلِي
ـــــ سِحرُ الْهَوَى فِيكِ لَمَّا بِتِّ تَنْزِيلاَ
يُتْلَى بِكِ الْآيُ تَجْوِيدًا وَحَرفُكِ إِذْ
ـــــ يُتْلَى يَكُونُ لِوَقْعِ النُّطقِ تَجْمِيلاَ
فَيَستَوِي الذِّكْرُ رَسمًا فِي جَلاَلَتِهِ
ـــــ بِرِيشَةِ السِرِّ مَروِيًّا وَمَنْقُولاَ
قَدَاسَةٌ أَنْتِ، هَلْ فِي الْأَرضِ مِنْ لُغَةٍ
ـــــ تَقْوَى عَلَى حَمْلِ آيِ اللَّهِ مَرسُولاَ؟
يَا رَبِّ شَرَّفْتَ بِالْقُرآنِ أُمَّتَنَا
ـــــ وَالضَّادَ وَالْمُصطَفَى وَاخْتَرتَ جِبْرِيلاَ!
لَوْ شِئْتَ كُنْتَ وَضَعتَ السِرَّ فِي لُغَةٍ
ـــــ لا ضَادَ فِيهَا وَظَلَّ الضَّادُ مَجْهُولاَ
أَوْ دَكَّ كَعبَتَنَا أَفْيَالُ أَبْرَهَةٍ
ـــــ وَلَمْ تُوَكِّلْ بِهَا الطَّيْرَ الْأَبَابِيلاَ
لَكِنْ رَفَعتَ عَلَى هَامِ الدُّنَى عَرَبًا
ـــــ مِنْ قَبْلِ وَحيِكَ قَد كَانُوا مَجَاهِيلاَ
حَمْدًا لَكَ اللهُ كَمْ بَارَكْتَ فِي لُغَةٍ
ـــــ كَمْ هَالَنِي الْيَوْمَ مَا فِي شَأْنِهَا قِيلاَ!
أَلَمْ يُكَذِّبْ بِنَاءُ النَّحوِ مُدَّعِيًّا
ـــــ يَرَى الْبِنَاءَ إِلَى الْمَجْهُولِ تَعطِيلاَ؟
أَمَّا الْمَجَازُ فَهَذي الضَّادُ تَعرِفُهُ
ـــــ والْاِشْتِقَاقُ، وَزِدْ بالصَّرفِ تَحوِيلاَ
وَذِي الْقَصَائِدُ، حَدِّثْ هَلْ تَرَى لُغَةً
ـــــ تُعطِي كَمَا الضَّادُ لِلتَّمْثِيلِ تَفْصِيلاَ؟
وَالضَّادُ، واللهِ لَوْلاَ الضَّادُ مِنْ قِدَمٍ
ـــــ لَمْ يَعرِفِ الْكَوْنُ لِلْإِدرَاكِ تَحصِيلاَ!
لَوْ شِئْتُ عَدَّدتُ مَا قَد كَانَ مِنْ شَرَفٍ
ـــــ فَخْرًا لَهَا قَبْلُ فِي الْأَزْمَانِ مَا نِيلاَ
كَانَتْ لَنَا لُغَةٌ وَالْيَوْمَ نَلْعَنُهَا
ـــــ وَالْغَادِرُونَ بِهَا قَالُوا أَبَاطِيلاَ
قَالُوا بِهَا قِدَمٌ وَالْعِلْمُ يَنْكُرُهَا
ـــــ وَنَحْوُهَا عِنْدَهُمْ قَد ضَلَّ تَأْوِيلاَ
وَأَنَّهَا لُغَةٌ لَنْ تَلْقَ حَامِلَهَا
ـــــ إِلاَّ ذَلِيلاً بَأَرضِ الذُلِّ مَذْلُولاَ
وَنَاطِقُو الضَّادِ لا لَفْظٌ يُؤَلِفُهُمْ
ـــــ غَرثَى وَجَمْعُهُمُ قَد صَارِ مَفْلُولاَ
فِي فِتْنَةٍ لَمْ يَزَالُوا مُذْ حُسَيْنُ قَضَى
ـــــ بِكَربَلاءَ بِسَيْفِ الْغَدرِ مَقْتُولاَ
وَالْيَوْمَ لَيْسَ لَهُمْ دِينٌ يُوَحِّدُهُمْ
ـــــ وَرَبُّهُمْ بَاتَ فَوْقَ النَّعشِ مَحمُولاَ
ضَغَائِنُ الشَّرقِ، قُلْتُ الشَّرقُ أَحدَثَهَا
ـــــ لَمَّا طَغَى الشَّرقُ صَارَ الشَرُّ تَمْثِيلاَ!
فَمَا تَرَى رَجُلاً فِي الشَّرقِ ذَا ثِقَةٍ
كَمِثْلِ هَارُونَ والْمَأْمُونِ مَسؤُولاَ
صِرنَا شَتَاتًا وَضَاعَتْ بَيْنَنَا لُغَةٌ
ـــــ فِي مَوْعِدِ الْفَيْضِ أَطعَمْنَا بِهَا النِّيلاَ
يَبِيتُ يَلْعَنُهَا الْأَكْرَادُ إِنْ نَطَقُوا
ـــــ نَسَوْا صَلاَحَ وَزَادُوا الْأَمْرَ تَهْوِيلاَ
أَمّا الْأَمَازِيغُ إِنْ أَفْتَى مُحَدّثُهُمْ
ـــــ يُحَمِّلُ اللهَ دُونَ الْخَلْقِ تَحمِيلاَ
وَمَنْ هُمُ بِلُغَاتِ الْغَربِ قَد فُتِنُوا
ـــــ يَرَوْنَ فِي الضَّادِ بُهْتَانًا وَتَجْهِيلاَ
كَأَنَّمَا الْأَلِفُ الْمَمْدُودُ مِنْقَرُهَا
ـــــ عَصًا بِهَا نُطعِمُ الصِّبْيَانَ تَضْلِيلاَ!
تَرَاهُمُ كَتَبُوا «أَنْـتِي» مُزَوَّقَةً
ـــــ بِالْيَاءِ كِيمَا يَزِيدُ الْخَطُّ تَجْمِيلاَ
وَمِنْهُمُ مَنْ يَرَى الْقُرآنَ مُنْتَحَلاً
ـــــ يَتْلُوهُ فِي الْعِيدِ تَوْرَاةً وَإِنْجِيلاَ
وَمَنْ إِذَا أَنْجَبَتْ زَوْجٌ لَهُ وَلَدًا
ـــــ سَمَّاهُ دَانْدِي وَسَمَّى بِنْتَهُ اسْتِيلاَّ
فَإِنْ ضَحِكْنَا منِ اسْمِ الْبِنْتِ قَالَ لَنَا
ـــــ سَهْوًا نَطَقْتُ، فَبِنْتِي اِسْمُهَا سِيلاَّ!
دَانْدِي أَخُوهَا، لِأَنَّ الْاُمَّ تُؤْثِرُهُ
ـــــ كَنَّتْهُ دَانْدِي وَإِلاَّ كَانَ كُودزِيلاَّ!
وَبِنْتُ بِنْتِي أُسَمِّيهَا، وَذَا شَرَفٌ
ـــــ لِكُلِّ حَابِلَةٍ فِينَا أَنَابِيلاَ
يَا أُمَّةَ الْاِغْتِرَابِ الْغَربُ دَوَّخَكُمْ
ـــــ سَيَكْبُرُ الْغَربُ فِي أَحشَائِكُمْ غُولاَ!
وَيَرقُصُ اللَّغْوُ فِي أَرحَامِكُمْ طَرَبًا
ـــــ فَيُولَدُ الطِّفْل مِثْلَ اللَّحنِ مَهْزُولاَ
وَتَلْفَظُ الْأَرضُ إِنْ مِتُّمْ عُفُونَتَكُمْ
ـــــ تَرجُو بَدِيلاً لِمَنْ لَمْ يَبْغِ تَبْدِيلاَ
لا تَنْدُبِي يَا ابْنَتِي حَظِّي فَلِي لُغَةٌ
ـــــ حَتْمًا سَتَبْقَى وَيَبْقَى الْحَبْلُ مَوْصُولاَ
قَد كَانَ لِي قَدَرٌ فِي الضَّادِ يَرفَعُنِي
ـــــ وَالْيَوْمَ لِي قَدَرٌ قَد كَانَ مَعمُولاَ
هَيَّا احفَظِي شِعرَ أَجْدَادِي وَلا تَدَعِي
ـــــ بَيْتًا يَفُوتُكِ وَاسْتَقْصِي التَّفَاصِيلاَ!
وَإِنْ قَرَأْتِ لِكَعبٍ بَعضَ بُردَتِهِ
ـــــ قُولِي لَهُمْ أَبَتِي قَد شَبَّ مَتْبُولاَ!
قَد كَانَ فِي لُغَةِ الضّادِ الَّتِي أَفَلَتْ
ـــــ بَيْتٌ لَهُ فَهَوَى، فَانْهَدَّ مَعزُولاَ
وَبَشِّرِي بِمَجِيءِ الضَّادِ إِنَّ لَهَا
ـــــ نُطقًا يَظَلُّ كَشَهْدِ النَّحلِ مَعسُولاَ
هَذا الَّذِي يَا ابْنَتِي قَد كانَ مُذْ زَمَنٍ
ـــــ وَلَمْ يَكُنْ أَبَدًا مِنْ قَبْلُ مَأْمُولاَ
لَوْ كُنْت حَامي عِرضِ الْعُربِ كُلِّهِمُو
ـــــ لَكَانَ عِرضُ بِلادِ الْعُربِ مَغْسُولاَ
لَكِنَّ عِرضَ بِلادِ الْعُربِ مُنْفَلِتٌ
ـــــ كَالضَّادِ مُنْكَسِرٌ إِذْ لا يَدٌ طُولَى
إِنِّي انْتَهَيْتُ وَلَكِنْ ما انْتَهَيْتُ هُنَا
ـــــ فَلْتَحبُلِي وَلِدِي ضَادِي الَّذِي اغْتِيلاَ!
وَقَبِّلِيهِ فَإِنَّ الْعَطفَ فِي قُبَلٍ
ـــــ حَرَّى تَجِيءُ فَيَغْدُو الْكَوْنُ تَقْبِيلاَ
وَإِنْ رُزِقْتِ بِثَان حَصِّنِيهِ فَفِي
ـــــ أَرحَامِ نِسْوَتِنَا قَابِيلُ هَابِيلاَ!
لَئِنْ يَمُتْ خَفَقَانُ الضَّادِ فِي بَلَدِي
ـــــ فِي الغَربِ أَبْعَثُهُ أَوْ غَربَ مَانِيلاَّ
وَلَنْ أَكُونَ كَما الْأَعرَابُ إِذْ حَرَقُوا
ـــــ نَفْطَ الْعُرُوبَةِ فِي حَانَاتِ مَاربِيلاَّ
إِنَّ الْعُرُوبَةَ تَجْرِي فِي دَمِي وَلَكَمْ
ـــــ كُنَّا بِهَا فَاعِلاً وَالْيَوْمَ مَفْعُولاَ!
كُنَّا قَدِيمًا، حُمَاةُ الشَرِّ نُفْزِعُهُمْ
وَالْيَوْمَ فِينَا يَزِيدُ الشَرُّ تَقْتِيلاَ
كَادُوا وَكِدنَا وَكَيْدُ اللهُ يُفْحِمُنَا
وَمَنْ أَشَدُّ مِنَ الرَّحمَانِ تَنْكِيلاَ؟
إِنَّ الْعُرُوبَةَ مَا تَفْنَى وَفِي دَمِنَا
ـــــ تَظَلُّ دَالاًّ عَلَى الدُّنْيَا وَمَدلُولاَ
سَأَرسُمُ الضَّادَ فِي أَرضِي وَفِي زَمَنِي
ـــــ حَتَّى يَصِيرَ بَهَاءُ الضَّادِ مَقْبُولاَ
وَأَشْكُلُ الضَّادَ مَرفُوعًا عَلَى شَفَتِي
ـــــ وَلا أُرِيدُ بِغَيْرِ الرَّفْعِ تَشْكِيلاَ
اُنْصُبْ وَجُرَّ فَفِي الْحَالَيْنِ مُنْكَسِرٌ،
ـــــ فَارفَع جَبِنَكَ ضَادًا فِيكَ مَشْكُولاَ
عَسَى العُرُوبَةُ تَرقَى أَنْتَ فِي دَمِهَا
ـــــ تَكُونُ حُضْنًا لَهَا لِلضَمِّ مَحلُولاَ!
إِنْ لَمْ تُكَابِر وَهَذِي الْأَرضُ قَد غَدَرَتْ
تَظَلُّ دَهْرَكَ بَيْنَ النَّاسِ مَكْبُولاَ!
باريس، بتاريخ 18 ديسمبر 2019م
ـــــ شعر يحيى الشيخ ـــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(قصيدة في ما آلت إليه اللغة العربية)
****************
لا تَغْضَبِي إِنْ أَتَاكِ الشِّعرُ مَخْبُولاَ
ـــــ قَد بِتُّ لَيْلِي بِحُضْنِ الضَّادِ مَعلُولاَ
أَبْكِي الْقُرُونَ اللَّوَاتِي كُنْتُهَا زَمَنًا
ـــــ مُحَصَّنًا كَرَعِيلِ الْأَعصُرِ الْأُولَى
يَهُزُّنِي الشَّوْقُ هَزَّ المُتْعَبِينَ وَلِي
ـــــ فِي الحُبِّ بَيْتٌ بَنَاهُ اللهُ مَشمُولاَ
بِالضَّادِ أَزْهُو وَلَفْظُ الضَّادِ نارُ فَمِي
ـــــ بِالْأَرضِ تَعصِفُ لا تَخْشَى الْأَسَاطِيلاَ
أَقُولُ شِعرًا، عَزَائِي الشِّعرُ يَا لُغَتِي
ـــــ مُذْ كُنْتِ حَرثِي وَكَانَ الشِّعرُ مَحصُولاَ!
كَقَيْسِ لَيْلَى تَمَنَّيْتُ الْهَوَى وَكَفَى،
ـــــ أَلْقَاكِ ثُمَّ أَعِيشُ الدَّهْرَ مَذْهُولاَ
لَوْ كُنْتُ قَيْس، وَلَيْلَى كُنْتِ لِي نَغَمًا
ـــــ لَكُنْتُ قُلْتُ كَلاَمًا فِيكِ مَعقُولاَ
مَا قَيْسُ فِي التِّيهِ لَمَّا يَنْتَهِي عَدَمًا
ـــــ فِي حُبِّ لَيْلَى يَقُولُ الشِّعرَ مَنْحُولاَ
لَنْ أَلْقَ فِي الحُبِّ حَظًّا أَنْتِ مَعْدِنُهُ
ـــــ مَا لَمْ يَكُنْ فِيكِ فَصلُ الْقَوْلِ مَنْخُولاَ
تَغْشَى الْقَصَائِدُ صَدرِي، نُحتُ مِنْ وَلَهٍ
ـــــ لَمَّا عَشِقْتُكِ شَبَّ الصَّدرُ مَسْلُولاَ
عُودِي لَنَا لُغَةَ الضَّادِ الْقَتِيلَةِ كَيْ
ـــــ لا يَنْتَهِي زَمَنُ الْأَعرَابِ مَشْلُولاَ!
تَفْنَى اللُّغَاتُ وَتَبْقَى بَعضُ أَحرُفِهَا
ـــــ وَأَنْتِ تَرقَيْنَ فِي الْعَلْيَاءِ قِنْدِيلاَ
عِقْدًا عَلَى الْجِيدِ لا عِقْدٌ يُضَارِعُهُ
ـــــ وَهَالَةَ الْعِزِّ فَوقَ الرَّأْسِ إِكْلِيلاَ
يَا أَنْتِ يَا لُغَةَ الضَّادِ الْجَمِيلِ وَلِي
ـــــ سِحرُ الْهَوَى فِيكِ لَمَّا بِتِّ تَنْزِيلاَ
يُتْلَى بِكِ الْآيُ تَجْوِيدًا وَحَرفُكِ إِذْ
ـــــ يُتْلَى يَكُونُ لِوَقْعِ النُّطقِ تَجْمِيلاَ
فَيَستَوِي الذِّكْرُ رَسمًا فِي جَلاَلَتِهِ
ـــــ بِرِيشَةِ السِرِّ مَروِيًّا وَمَنْقُولاَ
قَدَاسَةٌ أَنْتِ، هَلْ فِي الْأَرضِ مِنْ لُغَةٍ
ـــــ تَقْوَى عَلَى حَمْلِ آيِ اللَّهِ مَرسُولاَ؟
يَا رَبِّ شَرَّفْتَ بِالْقُرآنِ أُمَّتَنَا
ـــــ وَالضَّادَ وَالْمُصطَفَى وَاخْتَرتَ جِبْرِيلاَ!
لَوْ شِئْتَ كُنْتَ وَضَعتَ السِرَّ فِي لُغَةٍ
ـــــ لا ضَادَ فِيهَا وَظَلَّ الضَّادُ مَجْهُولاَ
أَوْ دَكَّ كَعبَتَنَا أَفْيَالُ أَبْرَهَةٍ
ـــــ وَلَمْ تُوَكِّلْ بِهَا الطَّيْرَ الْأَبَابِيلاَ
لَكِنْ رَفَعتَ عَلَى هَامِ الدُّنَى عَرَبًا
ـــــ مِنْ قَبْلِ وَحيِكَ قَد كَانُوا مَجَاهِيلاَ
حَمْدًا لَكَ اللهُ كَمْ بَارَكْتَ فِي لُغَةٍ
ـــــ كَمْ هَالَنِي الْيَوْمَ مَا فِي شَأْنِهَا قِيلاَ!
أَلَمْ يُكَذِّبْ بِنَاءُ النَّحوِ مُدَّعِيًّا
ـــــ يَرَى الْبِنَاءَ إِلَى الْمَجْهُولِ تَعطِيلاَ؟
أَمَّا الْمَجَازُ فَهَذي الضَّادُ تَعرِفُهُ
ـــــ والْاِشْتِقَاقُ، وَزِدْ بالصَّرفِ تَحوِيلاَ
وَذِي الْقَصَائِدُ، حَدِّثْ هَلْ تَرَى لُغَةً
ـــــ تُعطِي كَمَا الضَّادُ لِلتَّمْثِيلِ تَفْصِيلاَ؟
وَالضَّادُ، واللهِ لَوْلاَ الضَّادُ مِنْ قِدَمٍ
ـــــ لَمْ يَعرِفِ الْكَوْنُ لِلْإِدرَاكِ تَحصِيلاَ!
لَوْ شِئْتُ عَدَّدتُ مَا قَد كَانَ مِنْ شَرَفٍ
ـــــ فَخْرًا لَهَا قَبْلُ فِي الْأَزْمَانِ مَا نِيلاَ
كَانَتْ لَنَا لُغَةٌ وَالْيَوْمَ نَلْعَنُهَا
ـــــ وَالْغَادِرُونَ بِهَا قَالُوا أَبَاطِيلاَ
قَالُوا بِهَا قِدَمٌ وَالْعِلْمُ يَنْكُرُهَا
ـــــ وَنَحْوُهَا عِنْدَهُمْ قَد ضَلَّ تَأْوِيلاَ
وَأَنَّهَا لُغَةٌ لَنْ تَلْقَ حَامِلَهَا
ـــــ إِلاَّ ذَلِيلاً بَأَرضِ الذُلِّ مَذْلُولاَ
وَنَاطِقُو الضَّادِ لا لَفْظٌ يُؤَلِفُهُمْ
ـــــ غَرثَى وَجَمْعُهُمُ قَد صَارِ مَفْلُولاَ
فِي فِتْنَةٍ لَمْ يَزَالُوا مُذْ حُسَيْنُ قَضَى
ـــــ بِكَربَلاءَ بِسَيْفِ الْغَدرِ مَقْتُولاَ
وَالْيَوْمَ لَيْسَ لَهُمْ دِينٌ يُوَحِّدُهُمْ
ـــــ وَرَبُّهُمْ بَاتَ فَوْقَ النَّعشِ مَحمُولاَ
ضَغَائِنُ الشَّرقِ، قُلْتُ الشَّرقُ أَحدَثَهَا
ـــــ لَمَّا طَغَى الشَّرقُ صَارَ الشَرُّ تَمْثِيلاَ!
فَمَا تَرَى رَجُلاً فِي الشَّرقِ ذَا ثِقَةٍ
كَمِثْلِ هَارُونَ والْمَأْمُونِ مَسؤُولاَ
صِرنَا شَتَاتًا وَضَاعَتْ بَيْنَنَا لُغَةٌ
ـــــ فِي مَوْعِدِ الْفَيْضِ أَطعَمْنَا بِهَا النِّيلاَ
يَبِيتُ يَلْعَنُهَا الْأَكْرَادُ إِنْ نَطَقُوا
ـــــ نَسَوْا صَلاَحَ وَزَادُوا الْأَمْرَ تَهْوِيلاَ
أَمّا الْأَمَازِيغُ إِنْ أَفْتَى مُحَدّثُهُمْ
ـــــ يُحَمِّلُ اللهَ دُونَ الْخَلْقِ تَحمِيلاَ
وَمَنْ هُمُ بِلُغَاتِ الْغَربِ قَد فُتِنُوا
ـــــ يَرَوْنَ فِي الضَّادِ بُهْتَانًا وَتَجْهِيلاَ
كَأَنَّمَا الْأَلِفُ الْمَمْدُودُ مِنْقَرُهَا
ـــــ عَصًا بِهَا نُطعِمُ الصِّبْيَانَ تَضْلِيلاَ!
تَرَاهُمُ كَتَبُوا «أَنْـتِي» مُزَوَّقَةً
ـــــ بِالْيَاءِ كِيمَا يَزِيدُ الْخَطُّ تَجْمِيلاَ
وَمِنْهُمُ مَنْ يَرَى الْقُرآنَ مُنْتَحَلاً
ـــــ يَتْلُوهُ فِي الْعِيدِ تَوْرَاةً وَإِنْجِيلاَ
وَمَنْ إِذَا أَنْجَبَتْ زَوْجٌ لَهُ وَلَدًا
ـــــ سَمَّاهُ دَانْدِي وَسَمَّى بِنْتَهُ اسْتِيلاَّ
فَإِنْ ضَحِكْنَا منِ اسْمِ الْبِنْتِ قَالَ لَنَا
ـــــ سَهْوًا نَطَقْتُ، فَبِنْتِي اِسْمُهَا سِيلاَّ!
دَانْدِي أَخُوهَا، لِأَنَّ الْاُمَّ تُؤْثِرُهُ
ـــــ كَنَّتْهُ دَانْدِي وَإِلاَّ كَانَ كُودزِيلاَّ!
وَبِنْتُ بِنْتِي أُسَمِّيهَا، وَذَا شَرَفٌ
ـــــ لِكُلِّ حَابِلَةٍ فِينَا أَنَابِيلاَ
يَا أُمَّةَ الْاِغْتِرَابِ الْغَربُ دَوَّخَكُمْ
ـــــ سَيَكْبُرُ الْغَربُ فِي أَحشَائِكُمْ غُولاَ!
وَيَرقُصُ اللَّغْوُ فِي أَرحَامِكُمْ طَرَبًا
ـــــ فَيُولَدُ الطِّفْل مِثْلَ اللَّحنِ مَهْزُولاَ
وَتَلْفَظُ الْأَرضُ إِنْ مِتُّمْ عُفُونَتَكُمْ
ـــــ تَرجُو بَدِيلاً لِمَنْ لَمْ يَبْغِ تَبْدِيلاَ
لا تَنْدُبِي يَا ابْنَتِي حَظِّي فَلِي لُغَةٌ
ـــــ حَتْمًا سَتَبْقَى وَيَبْقَى الْحَبْلُ مَوْصُولاَ
قَد كَانَ لِي قَدَرٌ فِي الضَّادِ يَرفَعُنِي
ـــــ وَالْيَوْمَ لِي قَدَرٌ قَد كَانَ مَعمُولاَ
هَيَّا احفَظِي شِعرَ أَجْدَادِي وَلا تَدَعِي
ـــــ بَيْتًا يَفُوتُكِ وَاسْتَقْصِي التَّفَاصِيلاَ!
وَإِنْ قَرَأْتِ لِكَعبٍ بَعضَ بُردَتِهِ
ـــــ قُولِي لَهُمْ أَبَتِي قَد شَبَّ مَتْبُولاَ!
قَد كَانَ فِي لُغَةِ الضّادِ الَّتِي أَفَلَتْ
ـــــ بَيْتٌ لَهُ فَهَوَى، فَانْهَدَّ مَعزُولاَ
وَبَشِّرِي بِمَجِيءِ الضَّادِ إِنَّ لَهَا
ـــــ نُطقًا يَظَلُّ كَشَهْدِ النَّحلِ مَعسُولاَ
هَذا الَّذِي يَا ابْنَتِي قَد كانَ مُذْ زَمَنٍ
ـــــ وَلَمْ يَكُنْ أَبَدًا مِنْ قَبْلُ مَأْمُولاَ
لَوْ كُنْت حَامي عِرضِ الْعُربِ كُلِّهِمُو
ـــــ لَكَانَ عِرضُ بِلادِ الْعُربِ مَغْسُولاَ
لَكِنَّ عِرضَ بِلادِ الْعُربِ مُنْفَلِتٌ
ـــــ كَالضَّادِ مُنْكَسِرٌ إِذْ لا يَدٌ طُولَى
إِنِّي انْتَهَيْتُ وَلَكِنْ ما انْتَهَيْتُ هُنَا
ـــــ فَلْتَحبُلِي وَلِدِي ضَادِي الَّذِي اغْتِيلاَ!
وَقَبِّلِيهِ فَإِنَّ الْعَطفَ فِي قُبَلٍ
ـــــ حَرَّى تَجِيءُ فَيَغْدُو الْكَوْنُ تَقْبِيلاَ
وَإِنْ رُزِقْتِ بِثَان حَصِّنِيهِ فَفِي
ـــــ أَرحَامِ نِسْوَتِنَا قَابِيلُ هَابِيلاَ!
لَئِنْ يَمُتْ خَفَقَانُ الضَّادِ فِي بَلَدِي
ـــــ فِي الغَربِ أَبْعَثُهُ أَوْ غَربَ مَانِيلاَّ
وَلَنْ أَكُونَ كَما الْأَعرَابُ إِذْ حَرَقُوا
ـــــ نَفْطَ الْعُرُوبَةِ فِي حَانَاتِ مَاربِيلاَّ
إِنَّ الْعُرُوبَةَ تَجْرِي فِي دَمِي وَلَكَمْ
ـــــ كُنَّا بِهَا فَاعِلاً وَالْيَوْمَ مَفْعُولاَ!
كُنَّا قَدِيمًا، حُمَاةُ الشَرِّ نُفْزِعُهُمْ
وَالْيَوْمَ فِينَا يَزِيدُ الشَرُّ تَقْتِيلاَ
كَادُوا وَكِدنَا وَكَيْدُ اللهُ يُفْحِمُنَا
وَمَنْ أَشَدُّ مِنَ الرَّحمَانِ تَنْكِيلاَ؟
إِنَّ الْعُرُوبَةَ مَا تَفْنَى وَفِي دَمِنَا
ـــــ تَظَلُّ دَالاًّ عَلَى الدُّنْيَا وَمَدلُولاَ
سَأَرسُمُ الضَّادَ فِي أَرضِي وَفِي زَمَنِي
ـــــ حَتَّى يَصِيرَ بَهَاءُ الضَّادِ مَقْبُولاَ
وَأَشْكُلُ الضَّادَ مَرفُوعًا عَلَى شَفَتِي
ـــــ وَلا أُرِيدُ بِغَيْرِ الرَّفْعِ تَشْكِيلاَ
اُنْصُبْ وَجُرَّ فَفِي الْحَالَيْنِ مُنْكَسِرٌ،
ـــــ فَارفَع جَبِنَكَ ضَادًا فِيكَ مَشْكُولاَ
عَسَى العُرُوبَةُ تَرقَى أَنْتَ فِي دَمِهَا
ـــــ تَكُونُ حُضْنًا لَهَا لِلضَمِّ مَحلُولاَ!
إِنْ لَمْ تُكَابِر وَهَذِي الْأَرضُ قَد غَدَرَتْ
تَظَلُّ دَهْرَكَ بَيْنَ النَّاسِ مَكْبُولاَ!
باريس، بتاريخ 18 ديسمبر 2019م
ـــــ شعر يحيى الشيخ ـــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ