الجمعة، 17 يناير 2020

فاطمة مندي

الشبح

صرخات تخترق أذن الليل، يتناهي إلي أذن الدالفين إلي القرية ، خبر مازال مبهما
تأوهات بأشتعال الألم ، في صدور الأهل .
اتشحت القرية كلها بعباءة الحزن على فقيدها، غادر الرجال إلي مكان الحادث لأستلام رفاته.
أتشحت النسوة بالسواد، وأفترشن الطريق في إنتظار الرفاة .ا

تلقت القرية خبر وفاة أحد أبناءها تحت عجلات القطار بمزيد من الأسى على فقدانه؛ فمازل عريس بضعة أشهر، وهو الأخ الأصغر لسبعة أشقاء.
ا
في المستشفي تسلم الأشقا ء هاتفه ، حافظة نقوده، ثيابه التي طرزتها عجلات القطار.
تخرج تأوهات بأشتعال الالم مدوية من الاخوات على فقدانهم صغيرهم، الذي سافر كي يحضر أخشاب يقوم بتصنيعها في ورشته الصغيرة .
تمتلئ طرقات المستشفى بحشود متظاهرة من أهل البلدة؛ كي تسرع إدارة المستشفي بإنهاء الإجراءات الروتينية لتصريح الدفن .
وتتسرب الشجاعة والصمود من أبدان الأاخوه ، وتخور قوى صمودهم أمام عنفوان الحدث ،
ألماً على فقيدهم، تهرول مجموعة من الرجال نحو الأطباء؛ كي يرحموا
الفقيد .
قبيل الفجر ، تستقبل القريقة الرفاة بمصابيح كأنها تستقبل عرساً تتقدمه المصابيح .
وتروض خطوات الرجال أمامه ظلاً طويلاً، ترسمه أشعة مبهرة ترسمها مصابيحهم في عتمة الليل،
تبعثر خطواتهم هدوء كان يغشي المكان .
تقفز النساء من ثبات عند مشاهدة الموكب ، تتعالي الصرخات تشج قلب السكون الرصين .
تعفر الأخوات وجوهها فى الثرى ، وتنشب الأم راحتيها في الثرى وتضعه على رأسها .
في نهاية القرية المدافن ترقد جثة الفتى الصغير فى مثواه الأخير، وسط حشود كل أهل البلدة الصغيرة، تشيعها الدموع المحرقة، وبقلوب حزينة وصدور انهكها االخبر ونفوس مزقها الألم .
بعد إنتهاء مراسم الدفن ، ذهب بعض المشيعين إلى منازلهم، والبعض الآخر ذهب مع أهل الفقيد لمساندتهم .
جلس الجميع أمام المنزل على المقاعد، وأفترشن النسوة الحصير، في حزن وأسي وعويل مازال ينسج عبارات الفراق .
علي غير توقع تناهى إلي سمع أهل القرية صوت استغاثة ، رأى الجميع اكثر من رجل مهرولين قبالتهم ، معللين أن شبح القتيل يهرول خلفهم علي الطريق .

بعد برهة من الوقت شاهد الرجال خيال تنسجه عتمة الليل علي جدران المنازل، ويفترش الطرقات، وصرير الرياح يحمل الثرى ويرسم به نوات أفقية تحمل معها كل ما هو في الطريق ، ظهر لهم خيال شبح من بعيد يروض خطواته؛ كأنه طفل مازل يتعلم خطواته الاولى، ظل الخيال يقترب إلى أن ظهر الشبح، وكان مدرج في دمائه .
وقف الجميع من ثباتهم وهرول كلاً إلى منزله .
هرول أخواته عند رؤيته، كما هرولت جميع النسوة .
خرج والده على عجل لمشاهدته هو وأمه يريدان رؤيته حتى ولو كان شبحاً .

بدا الظل من بعيد يغزل سجادة الطريق وتتصاعد مع إقترابه انفاسهما اللاهثة.
أقترب الشبح من والده دون النطق بكلمة.
قالت الأم : الف سلامه عليك يا حبيبي بعد الشر عنك من القطار، وأرادت عناق الشبح، منعها الأب
معقباً في همس : كلميه من بعيد .
جلس الشبح باكياً :
لقد قابلني في طريق عودتي أناسي كثيرة، وعند أقترابي منهم يهربون لماذا؟ حتي قابلت صديق لي عندما رأني فر مسرعا لماذا؟ً!!
والان تمنع أمى من عناقي يا أبى لماذا؟
حتي أخواتي يهربون منى لماذا ؟ هل عندك تفسير ؟ وأين زوجتي ؟ الم تعلم بوجودي ؟ نادها يا أبي.
علل الآب : لان ثيابك مليئة بالدماء ، فالناس خائفة منك.
ولان وجهك مليئ بالجروح فالناس تخافك.
أما زوجتك فهي ليست هنا . لقد سافرت إلى أهلها .
أه لو تعلم يا أبي ماذا حدث لي؟ لن تصدق!! .
لقد اخذ اللصوص ثيابي، ومحفظتي، بل ونقودي ، وحذائي واوسعوني ضرباً وتركوني مغشيًا علي اعتقدوا اننى قد فارقت الحياة.

فاطمة مندي

سونيا فرجلتي

أصابعي تؤلمني،
مرض الخبّاز ،فعجنت الدّقيق وحدي.
حين أشعر بالحزن أفعل هذا.
خلطت طويلا،بقوّة تشبه الغضب،فانتفخت ذراعي ،وتمزّقت أصابعي.
أريد أن أكتب،
منذ عام،
تحاصرني زنزانة بيضاء،لا شيء فيها يشبه خبزا طازجا.
لاشيء يُلتقَط كناية عن فرن جاهز.

أريد أن أكتب عن  حِيَل العجن،
وعن درجة دفء الماء في الوعاءْ،
أريد أن أكتب أشياء لا أعرفها.
مات الخباز،
في الخريف مات .
الحيّ جائع.
سوف أنهي كنس الفيراندا،وأصبّ سريعا مكاييل مضاعفة ،
تكفي خبزا لحيّنا.

عَلِقت أصابعي بالخبز، فلا تعافوه،
كلوا بعضه، واعطوا لكلاب المقابر ماتبقّى.
في أصابعي شِعر مريض،يتناقله الحزن ألوانا مذعورة لعظام تسقط
نخالة في الدّقيق.
ما الذي ينزل من المدخنة،؟
شعر محترق؟
أم قطع عثّرها غول الكلام فزمجرت؟
أسوأ الأحلام ،أن ترى النجوم ثابتة ،وأنت تدور.
خبّازنا كان يدور وأحلامه هابطة فوق فطورنا.
مددت صنّارة الوقت،خارج عنقي،
وطرحت الحياة على مناديل الفرن.
كان ينبغي أن أخلط العالم في جمجمتي،بملعقة الخميرة.
كان ينبغي،أن أُنضج جلود المعنى ونباح الخوف ،على نار بلا ألسنة.
بي رغبة أن أَنطق أسمال العالم بصوت غير منطوق،
هل فرقعة العجين تحت أصابعي،تنانين مهرّبة.؟
أريد أن أكتب كلمات لا أعرفها ،
لكن التّنانين أكلت خبزي.

سونيا فرجاني 

صدام الزيدي

Rita Alhakim
Fathi Gumri
Hassona Fathey

التشذيب وإعادة الكتابة.. تجارب وشهادات (2)
                      --------------------------

* عبد السلام الربيدي (كاتب وباحث أكاديمي/اليمن): الكاتب أو الباحث الذي يعدل ويزيد وينقح عمله بصورة أصيلة وحقيقية يحترم القراء

* ريتا الحكيم (شاعرة/سورية): علينا أن نحترم تجاربنا الأولى وأحياناً تُعاد الطباعة لأسباب فنية كسوء الطباعة كما حدث معي

* فتحي قمري (شاعر/تونس): من المعيب أن يتبرّأ الشاعر من إرثه القديم

* حسونة فتحي (شاعر/مصر): التشذيب إعادة تدوير لفكرة النص وفق رؤية آنيّة للشاعر وهذا أمرٌ سيّء
                          -----------------------
لماذا يُعيد الأدباء والكتّاب النظر في أعمال ونصوص منجزة لتصدر ثانيةً إما في "طبعاتٍ منقّحة" أو في مجلات وصحف ومواقع للنشر الإلكتروني، تحت استدراك/تنويه: "كتابة ثانية"؟!. عربياً وعالمياً هناك أسماء وتجارب لافتة، اتسمت مسيراتها بالعودة إلى تشطيب شبه جذري لكتب وأعمال منجزة، كما أن البعض منهم (في غير مناسبة) تمنّى لو أنه عاد لتنقيح وغربلة كتاب ما.
عندما تُنجز دراسات وبحوث حول تجارب وإصدارات، ثم بعد حين يتغير شكل ومضمون تلك الإصدارات والنصوص بسبب أنها خضعت لكتابة ثانية، هل يفضي هذا بالضرورة إلى متغيرات جديدة في سياق القراءة والتحليل والدراسة والتقييم؟ هل البدايات هي من يفرض الأمر (بدايات تجربة ابداعية ما ليست بالطبع كمراحل لاحقة تصل فيها التجربة إلى النضج)؟ كيف أن أمر إعادة النظر في نتاج إبداعيّ مرّت عليه فترة من الزمن يكون وارداً لدى البعض وغير وارد لدى آخرين؟ كيف ينظر الأدباء والكتّاب إلى ظاهرة التشطيب وغربلة النصوص والمؤلفات من جديد أو ما عرف قديما بـ"التحكيك"؟ وما هي شهاداتهم من زاوية التجربة الشخصية حول "إعادة الكتابة"؟  
هذه الأسئلة نطرحها في هذا الملف على أدباء وكتّاب وباحثين أكاديميين. هنا الجزء الثاني منه:

فتحي غومري

نصّ " حديث اليد " في الشارع المغاربي 
1
عن طائر حجل أحدّثكم
وصفوفٍ من الأشجار والغيوم
والحكايات التي لا تنتهي. 
والذكرياتُ مازالت جمرتها تلتهب
كلّما حرّك الطائر منقاره 
أو رفّ جناحه للسعة البرد
ودفءِ كفّ احتضنت رعشته.
2
أحدّثكم
وأعرف أنّ الأمر لا يعنيكم بتاتا
فالطيور كالنساء
كالمقاعد الشّاغرة
كالريح التي تمشّط الطرقات  
كالمدن البعيدة
تحتاج من يضمّ اسمها إلى صدره
ويجمع الزقزقة في قبضة لا تؤذيها 
يحدّثها عن خوفه من نظرة السماء
وحين يضيق صدره بالآهة الخرساء 
تنطق راحة يده 
وتحدّثها.
3
عن طائر حلّق في اتجاه لم يعده بالوصول
أحدّثكم
وشرفة ظلّت شاغرة كأنّ الشتاء جمّدها.
أنا 
وصولي متأخّر كعادته
وكلّما أبكتني الليالي شرّدتُ في السماء عينّي
وانتظرت جناحا يأويني
ويجفّف ماء اليد.

4- 
أنا المتأخّر دائما حتى في ندائي
مازلت أرتّب التفاصيل القديمة
وتقاليدَ الطّائر كلّما حدّثته 
أو سقته أصابعي.
مازلت أحدّث ركني 
عن الطّائر الذي كان يجعل الليل مثمرا
والصّباح انتظارا لذيذا لجلسة تحت الشمس.
مازلت أبحث عن نفس عميق 
يفصل الروح  عن جرحها
ويفكّ عزلة اليد.

فتحي غومري

أنور الخطيب

أحبّكَ ثم ماذا بعد

قالت: أحبكَ 
قلت: ماذا بعدُ!
قالت: سنذهب نحو الجحيم معا 
على فرسين بوذيين 
نجمع ورد الفضيلة 
أو نتصدق بالقبلات علينا
ونمضي إلى فانتازيا الحياة؛ 
تقطف أنت تفاحة لي 
أفتح قمحي أنا لك
ستشتهي رغيفاً ساخناً 
تقلّبه على نار الهدوء
ونصنع أرجوحة على سرير النشوء
قلت: ماذا بعدُ
قالت: تأخذنا الكوابيس إلى جنة العشق في هودج الأبالسة
نجر عصا الكمنجة فوق ظهور النجوم
تصير أنت مذنّباً مذنباً
وأنا غزالةَ العري والحنين
نمضي إلى الطين؛ 
أزرع فيك هشاشتي
تنبت أنت من حشاشتي
ونكتب فيهما شعرا للميتين
يقرؤه الراحلون إلى الأرض اليباب
ولا يقولون.. آمين
قلت: ماذا بعد
قالت: نصير لا شيء في الأشياء
لا أحد في الجموع
تصلي أنت على موجة مطلّقةٍ
أصلي أنا على لا أحد
قلت: ماذا بعدُ
قالت: سنذهب في اللاجهاتِ
أنا لن أعودَ
أنتَ تواصل البحث عني في أوتار عود
كلما وجدتني، عاندتني في المقامِ
ثم تعود
تعد الجهات على أصابع قلبكَ
ثم تغنّي لكْ
فأنا حيث أنت تكون 
وأعني، في زرقة العدم
يا أيها الملعون
....

بقلم الشاعر انور الخطيب 

الأربعاء، 15 يناير 2020

زهير الحامد

توفي نابليون وسط البلد 
 إثر تعرضه لجلطة حادة، 

وهو رمضان خليل....(نابليون وسط البلد")
ان 'اصل' رمضان خليل هو مدينة غزة، وقد جاء الى عمان للدراسة في الجامعة الاردنية مطلع السبعينيات، لكن من شدة التعذيب الذي تلقاه من قبل قوات الاحتلال، ادت الى اختلال عقلي لديه، ما جعله يتجول في شوارع عمان معتقداً نفسه 'نابليون'.

رمضان لديه أخ في إسبانيا وآخر في غزة، حيث قام الأخير بأخذه الى غزة للعيش هنالك، إلا انه بعد مرور فترة قصيرة جاء الى عمان ليجعلها 'المدينة الأم'.

وعُرف (نابليون وسط البلد") بما بلي 

1... وكان يرتدي ملابس وقبعة شبيهة بملابس نابليون بونوبارت العسكرية 

2...وكان شديد الأناقة. وكان يسير بشموخ في وسط عمان، ليبدو وكأنه السيد الذي يدير معزوفة مدينة كاملة، بتلك الملابس النظيفة، وقامته المنتصبة بشموخ عجيب.

3...كان عضواً بالحزب الشيوعي في عمان، وكان اسمه الحركي في الحزب لينين'.

4...كان يتحاشى الحوار مع المارة من حوله، أو محادثتهم، فيختار هو الشخص الذي يريد أن يحاوره

5... كان منظره يُثير السياح الذين كانوا يندهشون من اطلالته بزيه النابليوني، واحياناً كانوا يتقربون منه، فيضطر لمحادثتهم.
ويناقش السواح في الامور السياسية، وعن القضية الفلسطينية. 

6...كان يجيد أكثر من لغة وهو قارىء مواظب على امهات الكتب،

7...كان يشرب الشاي بـ"اتيكيت" خاص به.

8... كان يغضب بشدة ممن يصفونه بـ 'هتلر'.

انه نابليون عمان ، ولعل طريقته هذه في اختيار هذا النوع من الجنون، تؤكد انه اختيار الجنون الاروستقراطي الذي لا يحتمل الاستهتار او المخاتلة. فهو صديقي وكان يحترمني كل الأحترام كنت أعرف كل شيئ عنه وهو من روى قصته لي كاملة .  

عشت حياتك امبراطوراً ومتً امبراطوراً رحمة الله عليه

         زهير ألحامد
.

النبلاوي لحسن

أيا أنا يوم لم أكن هنا..
كنت  شرنقة 
ثم فراشة تزين صدر الغنا
ما أجمل ما سمعت وأنا
ارضع من ثدي أمي لبنا
آيا أنا اليوم أعشش وحدي
 ركنا
رحل الرعيل الأخير 
من البسمة
يوم توفيت أمي..توفيت أنا
واستحالت لذة الجلسات محنة.
لا حياة بعد الجمال...
لا حياة بعد كمال القمر
تنهار الأمنيات والذكريات تفنى
 وتفقد الاغنيات معنى ووزنا.

شعر النبلاوي الحسن