الاثنين، 2 ديسمبر 2019

د.غالب القرالة


 تاريخ اللغة العربية  –ج3 --
 كيف ظهرت اللغات :
إنّ ثمّة اتفاق أنّ أصل اللغات يرتبط ارتباطاً وثيقاً بسلوك الإنسان ويطلق عليه علم اللسانيات والمتعلق بدراسة جميع اللغات الانسانية واول ظهور له كان في الهند كما ورد في بعض الدراسات والمقالات الادبية .
تعريف اللغة
اللغة هي أداة من أدوات المعرفة، وهي أداة التواصل والتفاهم بين الأفراد، وتتكوّن من مجموعة من الإشارات والرموز، ويستحيل بدونها القيام بأي نشاط معرفي بين الناس، واللغة مرتبطة بالفكر الإنسانيّ في التواصل مع الآخرين أو في التفكير الباطنيّ، بحيث يتوصّل منها إلى الفكرة أو العمل المراد إنجازه، وقد عرّفت اللغة أيضا على أنّها مجموعة من الأصوات، يعبّر من خلالها الأفراد عن أغراضهم.
أصل اللغات ومواطن ظهورها :
كان أصل اللغات ومكان ظهورها مدار نقاشٍ وبحث العلماء منذ قرون عدّة، حيث لمّ يتمّ الاستدلال على الأصول الفعليّة للغات أو عمرها لانعدام الأدلة المباشرة والواضحة، الأمر الذي أدّى إلى صعوبة دراسة نشأتها، فاللغات هي موروث محكيّ يستحيل العثور على أصوله على شكل أحافير كما هو الأمر حيال المواد الأثريّة الملموسة.
إنّ ثمّة اتفاق أنّ أصل اللغات يرتبط ارتباطاً وثيقاً بسلوك الإنسان، ولمحدودية الأدلّة حول أصول اللغات فقد صنّفت على أنّها موضوع غير صالح للدراسة الجادّة العميقة.
علم اللسانيّات :
وهو العلم الذي يتعلّق بنشوء وتطوّر اللغات المختلفة، بحيث يهتمّ هذا العلم بدراسة جميع اللغات الإنسانيّة، وتراكيب وخصائص تلك اللغات، وقد توصّلت الأبحاث والدراسات إلى أنّ هذا العلم قد ظهر في الهند، وكان للعقيدة الدينيّة دورٌ كبير في التأسيس له سنة ألفين وخمسمائةٍ قبل الميلاد، بعد أن لاحظ عددٌ من الكهنةِ اختلاف اللغة المستخدمة في شعائرهم الدينيّة عن لغة الفيدا، وأنّ نجاح طقوسهم مرهونٌ باستخدامهم اللغة القديمة، الأمر الذي جعلهم يعملون على إعادة إنتاجها كما ذكر ونشر حول علم اللسانيات  .
بدأ الأوربيون اهتمامهم باللغات وعلم اللسانيات عن طريق الفلاسفة اليونانيّين ومعلمهم الأول أرسطو، فدرسوا العلاقة بين الأفعال والأشياء والأسماء، ليتمّ التعرّف على القواعد التي تحكمها وعلى أساسها تمّت صياغة مبادىء النحو، وفي القرن الثالث قبل الميلاد قاموا بتقسيم مفردات اللغة إلى عدة صيغٍ من الأسماء والأفعال المتعدّدة الأزمنة، وقاموا بتحديد أشكال الخطاب.
توسّع الرومان في الشروحات التي وضعها فلاسفة اليونان في الأساليب اللغويّة ومجالات استخدامها، وفي القرن الرابع للميلاد قام آليوس دوناس بصياغه عامّة للنحو اللاتينيّ، وقام بشرح تلك الصيغ اللغوية بريسكيان في القرن السادس للميلاد، وبقيت تلك القواعد على حالها حتى يومنا هذا.
عمل السير وليام جونز على تأسيس علم اللسانيات المقارن، وأشار إلى وجود علاقة بين اللغات السينسكريتيّة واللاتينيّة واليونانيّة، الأمر الذي يوحي بأنّ مصدر نشوئها واحد للتشابه الذي يربطها.
واهتم علم اللسانيّات بدراسة الكيفيّة التي تشكّلت بها كلمات اللغات على اختلافها، حيث قام علماء اللسانيّات بتكوين (عائلات لغويّة) تمّت صياغتها على شكل شجرة عائلة لكلّ مجموعةٍ لغويّة ذات منشأ واحد.
اللغة العربية :
تنتمي إلى أحد فروع اللغة السامية التي تم تقسيمها إلى أربع مجموعات، كما وردت في بعض المراجع والبحوث اللغوية هي:
مجموعة الشمال الأقصى، متمثلةٌ باللغة الأكاديّة - البابليّة الأشوريّة - والتي تعتبر من أقدم اللغات الساميّة التي تم توثيقها، والتي سادت في الفترة الواقعة بين العام ثلاثة آلاف قبل الميلاد حتى القرن الأول للميلاد. مجموعة الشمال الأوسط، والتي تضم اللغة العبريّة القديمة والمستحدثة، إلى جانب اللغة الفينيقيّة والأوغاريتيّة والسريانيّة والآراميّة.
مجموعة الجنوب الأوسط، وهذه المجموعة تضمّ اللغة العربيّة الفصحى، بالإضافة للهجات عربيّة (إقليميّة حديثة) إلى جانب اللغة المالطيّة.
مجموعة الجنوب الأقصى، وتضمّ هذه المجموعة لهجات جنوب الجزيرة العربيّة وتنحدر تلك اللهجات من أصول لغاتٍ تعود لممالك قديمة في المنطقة كمملكتي سبأ ومعين، بالإضافة للغة الأمهريّة والأثيوبيّة التقليديّة والإقليميّة.
وسوف نتطرق لعلم اللسانيات بشيئ من التفصيل ( وهو موضوع طويل وعلى اجزاء في مقالات لاحقة ان شاء الله تعالى ).
المراجع :

نور الدين برحمة

رحمك الله ايقونة وجدة شاعرنا السي محمد لقاح ...

....
يوما ما ....
لا نلتقي 
غرد الليل .....
نجمة 
نجم 

هذا الحرف جواز
عبوري الى وجهي 
صورتك انت 
صورتي 

لا نلتقي
 قد نمضي 
هي بطاقة شخصيتي 
عنوان 
مدينة 
والمهنة اغتراب 

يأكني رحيل الاحبة 
من فقد 
الى فقد 
والصدر مقبرة 
والصدرة حقل 
لفزاعة وغراب 

اين الورد 
اين الياسيمين 
اين الاقحوان ....

؟؟؟؟؟

يا تلك الفراشة 
تنتظر رحيلي
تسرق
 النور من قلبي 
وامضي 
وعين السماء 
على ارضي 

غصة في حلقي 
انا شوك الصبار 
انا من سقط على رأسه
ولم يصرخ لحظة ميلاده
هل كنت ادرك 
ان الارض تبتسم الرحيل 
وان نخل المدن 
عقيمة 
يا لغربتها ...

كلما امتدت يد المنون
لقامة في زمني 
اخفي وجهي بورقة قصيدي
واقول ...وابتسم من حزني 
موت الشاعر 
موت الانسان في عمقي 
مرارة 
مرارة 
وهذا الملح في عيني 
وهذا الحزن في عمقي
والباقي اغنيات 
والباقي اغنيات 
......
رحمك الله شاعرنا الجميل السي محمد لقاح ...ولنا في شعرك بعض العزاء ...وبعض الامل في اللقاء....
....
نورالدين وكفى ....1/12/2019

محمد خصيف

كاد الفن البدائي أن يكون حداثيا



كتب كلايف بل:" ينتج البدائيون الفن لأنهم لا بد أن ينتجوه، فالبدائيون ليس لديهم دافع آخر غير رغبتهم المشبوبة في التعبير عن إحساسهم بالشكل. إنهم عن زهد في خلق الإيهام أو عن عجز، يكرسون أنفسهم كليا لخلق الشكل. إلا أن الأمور قد تغيرت في الوقت الحاضر، وغدا الفنان مرتبطا براع ومرتبطا بجمهور، الأمر الذي عجل بنشوء حاجة إلى "المشابهة الأمنية الناطقة". (ص.83)، ويعقب مترجم الكتاب في آخر الصفحة 85 موضحا: "يجب أن يقر في ذهن القارئ أن كلمة "بدائي" حينما ترد في حديث كلايف بل والنقاد الشكليين هي كلمة تمجيد وتشريف، فقد بلغ تقديرهم للفن البدائي مبلغا جعل صفة "بدائي"، حتى للفن الحديث، تحمل معاني الأصالة الكبيرة والإبداعية العالية والنقاوة الفنية القصوى".


وهذه الميزات والخصائص التي عرفت بها الفنون البدائية، إفريقية وأسيوية وأمريكية/لاتينية كانت عمود الأساس لبناء صرح الفن الحديث، كلنا يذكر انبهار فناني الحداثة الأوروبية بفنون تلك المناطق البعيدة عن أوطانهم: فنسنت فان غوغ Van Gogh (1853-1890) وتأثره بالرسوم اليابانية، وبول غوغان Gauguin (1848-1903)، وبابلو بيكاسو Picasso (1881-1973)، وهنري ماتيس Matisse (1869-1954)، وما وصلت إليه إبداعاتهم من سمو جمالي وأصالة كبيرة إثر تأثرهم بالأقنعة الإفريقية والمنحوتات الطوطمية البدائية. ولولا الاحتكاكات هذه بإبداعات الحضارات المنسية، التي كان ينظر إليها على أنها حضارات "دونية"، تعيش خارج الدائرة، لأمسى أولئك الفنانون الطليعيون ضحية التيه في متاهات الباب المسدود، يعزفون على أوتار"المشابهة الأمنية الناطقة".


يجب الوقوف عند كلام كلايف بل وقفة قارئ متأمل، غير متعجل، لنتساءل ما إذا كان الإبداع الفطري العصامي، أو ما اتفق على تسميته جورا، بالفن الساذج هو من باب الفنون البدائية التي نعتها الشكلانيون تمجيدا، بالفنون ذات "الأصالة الكبيرة والإبداعية العالية والنقاوة الفنية القصوى"؟ لا شك أن الواقع يثبت ذلك. وحتى أكون أكثر وضوحا، أطرح للمقارنة أعمالا "فطرية" إلى جانب أعمال تجريدية حداثية، (وكلامي يقتصر على الفنون بالمغرب). فالأولى أصيلة، يصعب على متلقيها، ناقدا كان أم متذوقا، أن يجد مثيلا أو مشابها لها، امتتحت منه أشكالها ومضامينها، بينما أعمال التجريديين تتناسخ لتشكل نوعا من السيمولاكر Simulacre الفاقد لكل أصالة. فأعمال الفن "البدائي"تذكر متلقيها حين يقف أمامها بذاتها فقط ولاتحيله، لابصريا ولاجماليا على غيرها. فمرجعية الفنان البدائي هي مشاعره وعواطف اتجاه الإنسان والمجتمع والطبيعة. فإذا أخذنا فناني الاتجاه البدائي بالمغرب، نجدهم انطلقوا في ممارستهم الفنية، من بعد اكتشافهم للوحات مشغليهم الأوروبيين، لكنهم حينما حملوا الفرشاة والأصباغ نسوا اكتشافهم وحاولوا رسم ذواتهم، بعيدا عن أي تأثير. كان بوسعهم أن يقلدوا رسوم مشغليهم، أو يطلبوا من هؤلاء تدريبهم على الرسم الواقعي حتى يصبحوا مثلهم، يتقنون تخليط الألوان ورسم الطبيعة والمنظور والنسب وما إلى ذلك، لكنهم وجدوا أساليبهم وتقنياتهم كافية للتعبير عما يخالجهم ويعتري ذواتهم. كان ممكنا أيضا أن يتفضل مشغلوهم بتلقينهم أولويات الرسم والصباغة، لكنهم عزفوا عن ذلك وأمدوهم بما هو أفضل إذ عملوا على تشجيعهم بتنظيم معارض لأعمالهم داخل الوطن وخارجه. ولو لم يظهر لهم شيئ أصيل يستحق التشجيع، ما أقدموا على ما فعلوه. إن سلوكهم هذا جاء منافيا لسلوك الفنانين الشباب الذين عاصروهم، فناني الحداثة الفنية. كان الفن البدائي أقصر جدار قفزوا عليه لبناء مشروعهم الحداثي، إذ لم يكن هناك غيره. فمن خصائص التشكيل المغربي، وهذه أعتبرها، شخصيا مزية، أن رواده كانوا فنانين بدائيين، تأسست بهم مدرسة أثرت في أجيال ومازالت إلى اليوم، عكس ما حصل في باقي الدول العربية التي تكون روادها بالمدارس الأوروبية أو تلقوا تكوينهم على يد فنانين أوروبيون، فكان فنهم نسخا لاتتجاوز عتبة تكوينهم. "إن الرسامين الأوائل المغاربة لم يأخذوا دروسهم في مدارس الرسم التي لم يستطيعوا حتى حدود السنوات الخمسين الالتحاق بها، ولكنهم أخذوها فيما هو أكثر فائدة، وهو ما يمكن أن نسميه روح العصر(...) إن إرادة القطيعة والميل إلى التعبير الذاتي عند الرسامين المغاربة، مصدرهما هو القلق الناتج عن توجه نحو الأحلام والخرافات والألوان والعلامات والرموز، تلك التي يزخر بها عالم جواني مرتبط بتاريخهم نفسه، إن حالات اليعقوبي والإدريسي وأحرضان دليل على ذلك" (طوني ماريني، مقال مترجم).

ربما أن الفن البدائي هو الأسلوب الوحيد الذي كان له رواد وأتباع. 

إن أعمال الفن (العالم) لها حمولة مرجعية، تجعل المتلقي يربط ذهنيا أو بصريا أشكالها وألوانها بأشياء أخرى سبق له أن رآها، مما يفقدها بعضا من هالتها. فكثير من الأعمال التصويرية تتناص بوضوح مع تيارات ومدارس غربية، واقعية، انطباعية، سريالية...وكذلك حال الأعمال التجريدية، فهي إما هندسية ذات مساحات مسطحة من الألوان الأساسية، أو تكوينات ذات أشكال متحررة لاتبتعد عن التجريد الغنائي، أو تنبثق أشكالها عن حركية شديدة وعنيفة، توظف الكف والذراع، وتمتح روحها من عوالم سولاج وفرانز كلاينأو بعض فناني الاتجاه الحروفي. 

إنه من الصعب مثلا، مقارنة المخيال الذي يميز لوحات مولاي أحمد الإدريسي، أو حقول أحمد الورديغي الملونة، أو التعبيرية الشكل/لونية التي تميز لوحات الشعيبية، أو نوادر Anecdotes محمد بن علال، أو أعراس فاطمة حسن، والتكوينات الشكلية الخاملة التي عرفت بها بعض الأعمال التجريدية.فالفنان "البدائي" المحسوب على الفكر "الساذج"كما وصفه من لم يألفوا حضوره كمبدع كان أشد أصالة من الفنان "العالم" المتأثر بالشرق والغرب.

إن الفنان البدائي المغربي-هكذا أسميه تأسيا بالنقاد الشكلانيين -في ظني يعد رائد الحداثة الفنية قبل غيره. فبطريقته العفوية وبفطرته وبفكره المحدود وثقافته الشعبية الكتاتيبية، استطاع لا شعوريا، أن يثور على ما كان سائدا من ممارسات تشكيلية نخبوية كولونيالية، مواضيعها فلكلورية، تكرر أساليب تصويرية لا تحمل أية جمالية باستثناء الصنعة والمهارة التقنية، أصحابها من "أهل الصنعة"، من فئة "الأساتذة الصغار الذين كان بوسعهم أن يكونوا فنانين لو لم يستغرق التصوير كل طاقاتهم، فكانوا (...) لا يفتؤون ينسجون أحاجي تكنيكية ويجدون في حلها".

مع الأسف أن نسج الأحاجي التكنيكية والجد في حلها يبقى العملة الرائجة حتى وقتنا الراهن.

 إن الفنان البدائي حقق الثورة بدون شعور ولا تفكير عقلاني ولا بيانات حجاجية مشاكسة، ترفع من شأن هذا ولو كان دونيا وتحط من شأن ذاك حتى ولو كان مستحقا. لقد كانت ثورة الفنان البدائي ثورة عفوية حاك خيوطها بفنه، بأحاسيسه وليس بعقله، بأشكاله الدالة الفريدة. حقا أن غيره من معاصريه توفرت لديهم أشكال دالة لكنها لم تكن أبدا فريدة، لأن عوالمها عقلانية Rationnelle، تغيبت كل إحساس Sensibilité وجداني مرهف. فسلوكها العقلاني هو ما تركها تتشابه فيما بينها، وتتناسخ من شخص لآخر، ولا تغدو تلامس "المشابهة الأمنية الناطقة". فحينما نزور معرضا جماعيا، نكتشف حضور العقل مع غياب الحساسية، فتبدو اللوحات وكأنها من إنجاز شخص واحد، وأن المعرض فرديا وليس جماعيا: نفس الألوان، نفس الأشكال، نفس التموجات، نفس المواضيع ذات الصبغة الجنسانية، المتسترة بذكاء ومداهنة وراء الشكل، نفس الأسلوب التجريدي...


إن اللا تماثل الصوري والعفوية والتلقائية و "لا ثقافية" الفن إن جاز التعبير، ما دفع النقاد والمؤرخين الأوروبيين إلى اعتبار "الفن البدائي" أنه الفن المغربي الأصيل، وأن غيره يبقى تقليدا لما يجري في الغرب، بل لما تجاوزه الغرب آنئذ. فالفنان المثقف، غير البدائي يقف على أرضية تكتونية انزاحت من مكمنها الجغرافي وولجت الماضي والتاريخ، بينما الفنان البدائي كان يبدع وهو في حالة شعورية تجعله يعيش ماضيه في حاضره. حاضره هو، وماضيه هو وليس لغيره. لقد ثار الفنان "العالم" على الفكرة التي روجها النقاد الغربيون فلم يرض أن يكون الفن المغربي "ساذجا"ّ !، بل رفض حتى المشاركة في معرض يوجد به "فنانون سذج"!

سلوك لم يلتزم به جلهم فيما بعد...بعدما تهافت رجال المال والأعمال على لوحات "الفن الفطري".

الهوامش:

كلايف بل، الفن – ترجمة د. عادل مصطفى، رؤية للنشر والتوزيع، القاهرة 2013.

طوني ماريني، نشأة الفن المغربي المعاصر-http://machahid24.com/etudes/75107.html

محمد خصيف

وطْءٌ على عتبات "مدرسة أثينا" ج.1



"ما تعنيه الصورة لا ينحصر بأي حال من الأحوال فيما تعرضه للإبصار".
"اللوحة عبارة عن فضاء دال يمكن وصفه وفقًا للأشكال التي تمثله". جان لويس شيفر Jean Louis Schefer
"يتحدث العمل المرسوم فقط حين نعرف كيف نسائله... كل هذا يتوقف على "معرفة" العوارض والأنساق المرجعية الخاصة به".

من المألوف أن التساؤلات التي تطرح في معظم الخطابات النقدية المتصورة حول الفن، تدور حول وصف الأعمال الفنية، حيث يتلخص الطرح في إيجاد بدايات لبنية محددة فيما توحي به الصورة المرسومة. فالصورة الكلاسيكية تتوافق مع القراءة التقليدية (إيقونوغرافية/إيقونولوجية)، التي أصبحت غير قابلة للتطبيق بشكل عام في سجل فنون القرن العشرين، خصوصا مع بروز التيارات اللاشكلية. 
ونحن أمام اللوحة/الجدارية "مدرسة أتينا"، تواجهنا "عتبات" عدة، متنوعة ومختلفة، تساعدنا على ولوج عالمها ـ عالم الفن ـ لأنه عكس ما يظن المتذوقون للفنون الكلاسيكية خاصة، من الصعب جدا فهم واستيعاب الخطابات التي تحملها الأعمال التصويرية الكلاسيكية، وما تخفية وراء ستارة الظاهر من الألوان والأشكال والتكوينات الفنية، دون إحالة الأعمال على مرجعيتها الفنية/الجمالية ودون وضعها في سياقاتها التاريخية، الفكرية والفلسفية والدينية/اللاهوتية...لقد تناولت العديد من الاتجاهات النقدية الحديثة دراسة الأعمال الفنية من وجهات مختلفة وبمناهج متنوعة، بعضها فَصَل بين الشكل والتمثيل، أي الموضوع أو المضمون الذي يتناوله العمل الفني. فجاء في كتاب "الفن" لكلايف بل (1881ـ1964) أن "العنصر الذي يميز العمل كفن ليس التمثيل بل الصورة الدالة أو الشكل الدال، أي نمط حبك الألوان والخطوط مع بعضها البعض". فالمقاربة الشكلانية هاته تعتمد شيئا من المحايثة، حيث تسعى إلى فرز النص وعزله وتخليصه من السياقات المحيطة به. 
الحقيقة أن المؤسس الفعلي للنظرية الشكلانية في الفن هو مؤرخ الفن السويسري هنريش وولفلين Heinrich Wolfflin (1864ـ1945)، الذي بنى نظريته النقدية انطلاقا من مقارنة الفنين الكلاسيكي والباروكي. فلم يعر اهتماما بالمضامين (الموضوعات والدوافع وغيرها)، بقدر ما ركز على الطرائق والأشكال والإمكانات البصرية. فبالنسبة إليه يعد تاريخُ الفن تاريخَ الأشكال.
في عام 1915، نشر مؤرخ الفن هاينريش وولفلين (1864-1945) المبادئ الأساسية لتاريخ الفن، والتي شرح فيها الاختلافات في الأسلوب بين الفن الباروكي وفن عصر النهضة، وذلك باستخدام خمس فئات أساسية ينبني عليها تكوين العمل الفني: 
• التصويري على الخطي
• العمق على تصفيف السطوح 
• الشكل المنفتح على الشكل المنغلق 
• التعدد على الوحدة
• الغامق على الواضح.

كان لهذه الدراسة الشكلانية تأثير كبير على النقد الأدبي، فحاول النقاد والمنظرون تكييف المصطلحات البصرية التي استخلصها وولفلين من تأويله لفن الباروك، كأسلوب يتميز بالحركة واللاتماثل والتنافر، وجعلها توائم السياقات الأدبية نثرا ونظما. 
سيكون الباروك وفقًا لـ Wolfflin أقوى، لأنه يُخفي قدر ما يُظهِر، مما يؤدي إلى إثارة مشاعر المشاهد بينما يسعى الكلاسيكي إلى مزيد من الذكاء من خلال توفير إمكانية قراءة مثالية. ومن تم نجح ولفلين في تحديد وحدتين أسلوبيتين في تاريخ الفن من خلال العمل فقط على النماذج، دون اللجوء إلى المعرفة خارج الأعمال، المعارف التي عادة ما تؤدي إلى تأويلات متشعبة وتبعد عن مقاصد مؤلف العمل الفني.  فكان ما توصل إليه السيميائيون في وقت لاحق من تصورات لتجديد قراءة الفن، تتويجا لأعمال وولفلين النقدية. ومع الشكلانيين و السيميائيين، سوف يُعترف بالحقائق التالية: إذا كانت الصورة مقروءة، فذلك يدل على أنها تشكل مجموعة من العلامات؛ وأن هذه المجموعة لا تأخذ بدورها معناها إلا لكونها  تشكل كلاً منظمًا وترتبطا بالتجربة المعاشة.
وليتحقق التمييز بين الإنشاء الإيقوني للصورة وتمفصلاتها المنطقية، العملية التي غفل عنها معظم المؤلفين الإيقونوغرافيين، سيكون من الضروري انتظار ظهور الباحث إرفين بانوفسكي Erwin Panofsky (1892ـ1968) لوضع أسس الأيقونوغرافيا الحديثة: ف"ما تعنيه الصورة لا ينحصر بأي حال من الأحوال في ما تعرضه للإبصار".
عكس ما توصل إليه الاتجاه الشكلاني، نجد المؤرخ والناقد Erwin Panofsky  يتناول في كتابه L’œuvre d’art et ses significations "الفرع من تاريخ الفن الذي يرتبط بموضوع أو دلالة الأعمال الفنية في تعالقها بأشكالها". ويوضح أن عملية التأويل إيقونيا، تتأسس بناء على ثلاثة مستويات:
1. مستوى الدلالة الأساسية أو الطبيعية ، ويقصد به  "الوصف ما قبل إيقوني" Description pré-iconographique، الحامل لمعنيين، واقعي حسي، وتعبيري مخفي، يمكن الكشف عنهما عبر  تحديد الأسلوب ومكوناته الشكلية المعَيَنة من الخطوط والألوان، والعناصر الشيئية المؤثثة للفضاء، والكتل البرونزية أو الحجرية أو غيرها من الخامات المعتمدة للتشكيل النحتي ولتمثيل الأشياء الطبيعية، يضاف إلى كل ذلك المعالم المعمارية وما يرتبط بها من مفاهيم وتصورات وتخطيطات وإنجازات فضائية ... و"يمكن وصف عالم الأشكال الصرفة التي ندرك أنها مشحونة بالمعاني الأساسية أو الطبيعية بعالم الدوافع أو البواعث الفنية، التي يشكل تعدادها وصفاً ما قبل إيقونيا للعمل الفني".
2. مستوى الدلالة الثانوية أو التوافقية: حيث تتم دراسة موضوع العمل الفني باعتماد التحليل الإيقوني الصرف، عبر تعالق التراكيب والمفاهيم بالاستناد إلى مرجعيات مصاحبة، ومن تم يمكن اعتبار الدوافع المعترف بها، الحاملة لمعنى ثانويًا أو توافقيا، أنها صور Images، والبعض يسميها قصصا ورموزا  Histoires et allégories. فتحديد الصور المماثلة أو الرموز هو بالضبط مجال اشتغال الإيقونوغرافيا، و"من الواضح أن التحليل الإيقوني، بالمعنى الدقيق للكلمة، يفترض تحديدًا صحيحًا للحوافز الموضوعية".
3. مستوى الدلالة الضمنية: هو مستوى يتوافق مع التحليل الإيقونولوجي، أي الدلالة الداخلية للعمل بتموضعها داخل المضمون. "يستوعبها المرء من خلال إدراكه لهذه المبادئ الأساسية التي تكشف عن العقلية الأساسية لأمة ما، أو فترة، أو طبقة، أو اتفاقية دينية أو فلسفية -تم تحديدها بغير وعي من قبل شخصية الفنان الذي يفترض ذلك -والمكثفة في عمل فني فريد من نوعه".
تسمح مستويات التحليل الثلاثة هذه بإجراء تحليل شامل للعمل الفني. على الرغم من أنها تبدو مستقلة عن بعضها البعض، فهي في الواقع مرتبطة ولا يمكنها أن تُجَزَّأ. وتشكل الضرورة الملحة لإنجاح تحليل موضوعي ومتكامل وشمولي للمنجز الفني، إذ أنها تساعد على فك شفرة عتبات النص التشكيلي، و"الوقوف على دلالاتها والعلاقة الجامعة بينها، والعلاقة بينها وبين المتن".
ونحن أمام لوحة "مدرسة أثينا" L’Ecole d’Athène، للفنان الإيطالي رفائيلو سانويو Raffaello Sansio (1483ـ1520)، يمكننا أن نقف على ثلاث عتبات رئيسية تساعدنا على النفاذ إلى عوالم اللوحة المتنوعة والمحيلة إلى منظومات فكرية مختلفة، فلسفة وعلوم وأدب وغيرها. عتبات زمانية تتناول السياقين التاريخي والفني/الجمالي، وعتبات مكانية: تحدد مكان تواجد اللوحة، وعتبات ذات مرجعية ثقافية، فلسفية وأدبية ودينية. 
وقبل التطرق إلى العتبات الثلاث قراءة وتحليلا، نعطي نبذة عن حياة الفنان رفائيل، مما يساعد على وضع العمل الفني في سياقه العام، الفني/الجمالي والفكري.

من هو رفائيلو سانزيو؟
رفائيلو سانزيو   Raffaello Sanzio ( 1483 -  1520)، يعد من أبرز فناني عصر النهضة الإيطالية Cenquecento، إلى جانب كل من مايكال أنجلو (1475ـ1564)، وليوناردو دافنشي ( 1452ـ1519).  
فقد والديه وهو في سن طفولة متقدمة. ولما بلغ سن السابعة عشر، ألحق بمرسم الرسام «بيروجينو"، عندما رأى هذا الأخير رسومات رفائيل، قال: "دعوه لكي يكون تلميذي، لأنه سوف يصبح في القريب العاجل أستاذي". وبالفعل، ذلك ما تحقق، حيث تجاوز التلميذ بعبقريته، حرفية الأستاذ. 
عندما وصله خبر شهرة ليوناردو دافنشي وما أنجزه من أعمال بمدينة فلورانسا، شد الرحال إليها متمنيا تحقيق أحلامه بزيارتها ولقاء ليوناردو هناك. تأثر كثيرا بلوحة الموناليزا، حيث انعكس طيف وجهها على عدد من البورتريهات التي أنجزها خلال إقامته بفلورانسا، كما تأثرت تكويناته وطريقة ترتيب المجموعات التشكيلية داخل فضاء اللوحة، بتكوينات الرسام "ماساشيو". 
كان كل من البابا يوليوس الثاني وخليفته البابا ليون العاشر، معجبين بفن رفائيل، فوجها له الدعوة للالتحاق بروما، كي يساهم في إنجاز ديكورات الفاتيكان. كان عمره لا يتجاوز خمس وعشرين سنة حينما قام بتزيين جدران أربع صالات في الفاتيكان بلوحات رائعة. تتناول مواضيعها قصص دينية وأساطير من الميثولوجيا الإغريقية والرومانية، وموضوعات فلسفية وقانونية، وتصوير معاني جاءت من أقوال الشعراء والحكماء. وكان من أشهر ما أنجزه خلال تلك الفترة، اللوحة المعروفة باسم "مدرسة أثينا". كما أشرف شخصيا على تنفيذ بقية أعمال التزيين، والتي قام بها مجموعة من تلامذته. بالإضافة إلى تنفيذ مجموعة من الصور على الورق المقوى، تم عن طريقها إنجاز المنسوجات الخاصة بالكنيسة (السكستية (نسبة إلى البابا سكست الرابع.


في الجزء القادم، سنتناول العنوان كأول عتبة نصية، عادة ما تلازم الأعمال الفنية، لا تفارقها. اختلفت آراء المؤرخين والنقاد حول تواجد العنوان (النصي) إلى جانب المتن (التشكيلي)، فمنهم المؤيد لحضوره، ومنهم من يجده عنصرا مشوشا، لا فائدة من تواجده! إلا أن العنوان هنا "مدرسة أثينا" La scuola di Atene (كما تسمى في اللغة الإيطالية)، يرفع من قيمة المنجز الفني ويبعده عن محطات الوصف العادية والمبتذلة، ليعمق القراءة التأويلية للصور الحاضرة على فضاء اللوحة، إن تشكيليا أو ثقافيا.

الجمعة، 29 نوفمبر 2019

بقلم جمال حلمي ابراهيم

الرحيل
...........................................


         بعد ما حان     الرحيل
        تبدد كل ما كان   جميل

      تعالت نوبات البكاء واشتد
..      صوت الصراخ والعويل

        حقا دنيا ماسترت  أثور
      أذا كان قصيرا أو طاويل

      دنيا  تداعت علينا بالفرار
    والسعي خلف عجلات  الرحيل

       الكل فينا  صار يبغي
.     اقرب الطرق للوصول

       لكن هيهات هذا قدر
        له الأمتثال والمثول

    دنيا خلقت حقا من العدم
..     وتكبرت عند   العدول

       فبأي  عتاب  ؟ للعتب
..    نعتب عليها   بالمقول

....فلنرحل عنها في صمت جلل
.        كفانا هزي فاق العقول

     المستحيل فيها أمات قلب
.... الشباب وأضنى الكبار الكهول

       يالها ماعاد للجليل من وقار 
       تطاول عليه ذوات الغل والفضول

.................................................
بقلم جمال حلمي ابراهيم 

نورالدين برحمة

....اليك ياكبير 
.....
هيا يا انت 
يوم كان الجدار 
كنت وقطعة فحم  
 هنا نرسم جدارية 
العشق فينا 
كانت لوحتك لوحتي 
وابتسمنا وخضرة اللون
من عينيك 
تنساب لتكون الارض 
مهد الربيع
اقحوان 
ياسمين 
وانت الهزار

لانزيف للكلمات فينا 
سجل 
كما سجل درويش 
انا العربي 

وتلك الشمس 
من جبة الصمت
 منا
و فينا
تندلع 

ايقونة الالم كالحقيقة 
ونحن للفجر نبتسم 
يا سيد العاشقين 
ما لهذا البحر 
صد موجه 
ليعم الركود 
ماء بارد وملحه 
وزعه على الجراح 
نكاية في الالم 

لاتسجل اسمي 
في قاموس من كتبوا
من هنا حلق عصفوري
 الذبيح
ابتعلته السماء
فكان نجمة 
في زمن النكوص

ياسيد الحكايات 
لاتسجل اسمي 
على جدار منفاك 
فهذا الحائط مطلي بالجير 
فقط نغمة 
قطرة من غيمة
والارض مشتل للفقراء

اركب معي 
امامي 
خلفي 
هذه سفينتي الحدباء
قصيدة الى الخلف
كلما كتبتها 
تمايلت حروفها 
وساقتني للحانة والليل 
كأس 
وكاس 
وشاشة للماضي 
منتصبة على جدار انتظاري

كم اكره هذه النقرة على حاسوبي
كلما امتد اصبعي 
امتد الكاس 
نقطة في فمي 
جرعة 
جرعة 
وهذه الشاشة ...
طائرات ...
مدافع 
ونار 
ونار 

يصرخ الاطفال في عمقي 
الا نهاية لهذا الجنون 
جرعة من كأسي 
ما لهذه الخمرة
 لاتسكرني
ياكبير الحلم 
سجل انا اغنية 
ولحن 
وصوت 
وحنجرة 
ما تبقى من نضالي 
لاتسجل 
ولكن سجل اني العاشق لحزني حدود الجنون ...منذ ان سجل درويش انا عربي ..وانا عربي ...منبر وقصيدة ...وحنجرة والسماء فوق رأسي تحولت نجومها الى لعب للموت ...نجمة ...طائرة تفرغ من بطنها حقد العالم فينا ...نار ...ونار ...وانا انتظر ان اموت وصوتي يجلجل سجل ...سجل انا عربي ....
.......
نورالدين وكفى ....كتبتها على عجل ...الى صديقي الكبير محمد رباحي ....
تقبل المي ...
.....
29/11/2019

بوعلام حمدوني

رنين .. من حقول الصمت

أمضي رفقة الليل
و الذاكرة مبللة
بخيالات الظلام
تسيل من خصر شمطاء
كلما غفت الأيام
في سماء تنتعل ..
القضبان
و تؤثث زئير الندم 
أسير ..
بين ظلمة الزنازن 
غيوم تقلق السحاب
و الضباب قامة مجهولة
تقتفي أثير الأنين
ثم تختفي ..
بأرحام غريبة 
حرائق بأطلال السراب
تلوح برماد الألم 
قديمة ..
منبوذة الوشم
كعويل أصم
يدمي أثر المسير
بخطى جروح ..
 منسية 
أمضي ..
بهامة الغد 
شهب يستبق
حلكة الظلم
على أرصفة
تطل من شرفات الحياة 
أسري ..
على جناح الأمل
لأعالي الفجر
و أحتفي ..
أحتفي بلوحة ..
خسارات رهيفة
أنتشلها من حبر ..
الجسد .
أقبل شفاه الغد
في طريق اللانهاية
بتجاعيدي الجريحة
و أتدفق من بريق الأبد 
عهد انتفاضة
على ورم الغدر 
مترع بإيقاع الود
في سمفونية ود 
حيث تراقص نوتات ..
الوهج
زئير الوجدان 
و ميض الحنين
لا يفنى ..
تصطاده فراشة الربيع
تحت جنح الأمل 
صهيل عيون تبرق ..
بشموس الإحساس ..

بوعلام حمدوني